كتاب

الأبعاد الاقتصادية لملف العمالة الوافدة

تشكل العمالة الأجنبية في الأردن موضوعًا حساسًا لأن الأردنيين الذين عملوا في الخارج كانوا شركاء حقيقيين وفاعلين في تنمية الاقتصاد الأردني، وما زالت تحويلاتهم إلى اليوم أحد المؤشرات المهمة التي تضعها الحكومات في اعتبارها عند دراسة التدفقات الدولارية المهمة للبلاد وذات الدور المهم في المحافظة على معادلة سعر صرف الدينار الأردني الذي يحقق بعض المزايا الاستهلاكية لجميع المواطنين الأردنيين، وعلاوة على ذلك، تعمل الدولة على استكشاف أسواق عمل جديدة للأردنيين ومنها ألمانيا التي تتطلع للحصول على كوادر شابة ومؤهلة في القطاعات المهنية لمواجهة ظاهرة الشيخوخة المتفشية هناك.

العمالة الأردنية تحظى بدخول أعلى كثيرًا في المتوسط عند سفرها للخارج من الأجور التي تدفع للعاملين الوافدين للأردن، ولكن الدول تتخذ أساليب أخرى للتعامل مع العمالة الوافدة مثل ارتفاع تكلفة الإقامة والتصاريح والإجراءات القانونية التي تضاعفت خلال السنوات الأخيرة في البلدان الخليجية التي تعتمد على العمالة الوافدة، مع تكاليف أخرى توضع على الشركات التي تطلب العمالة الأجنبية وتوجه لدعم البرامج الاجتماعية، ومثل هذه الإجراءات يمكن أن تعالج بعض الاختلالات في الوضع القائم، والذي يؤدي في نتائجه الاقتصادية إلى الحصول على العملات الأجنبية داخل الأردن، والعمل على إعادة تحويلها إلى البلدان التي أتت العمالة منها، بما يجعل صافي الفائدة من حركة المال المرتبط بالعمل خارج الأردن وداخله أقل من المأمول، وتتطلب أن توضع الأموال التي تخرج ملحقةً مباشرة بالتحويلات الواردة للوقوف على الصورة الكاملة والدقيقة لاقتصاديات العمل في الأردن.

الأمر الآخر الضروري وضعه في الاعتبار هو تصميم السوق الأردني، واقتصاديات الحجم التي تشكل عمالة تزيد على مليون شخص جزءًا كبيرًا من اعتباراتها، فالعمال يستهلكون، صحيح أن معدلات استهلاكاتهم وخاصة المرتبطة بالالتزامات الاجتماعية تبقى أقل بكثير من الأردنيين، إلا أن وجودهم أصبح في حسابات الكثير من القطاعات، ويبقى أن تعمل أدوات الدعم الحكومي دورًا في تقليل جاذبية الأردن للعمالة الأجنبية لتستبدل بعض القطاعات بالأردنيين، وهذه الفكرة مرتبطة بالوضع المستقبلي أكثر من الأحوال الراهنة، إلا أنها واحدة من الوسائل التي يجب وضعها في الاعتبار من خلال الإجراءات التنظيمية المتعلقة بالعمالة الأجنبية.

يسهم سوق العمل في تحقيق التنمية المتوازنة داخل الأردن، إلا أن ما يسبقه هو البحث عن أموال جديدة تدخل من خلال الاستثمار وترتبط بالعمالة الأردنية، والتذرع بالتكلفة ليس الحجة المناسبة، لأن العمالة الرخيصة الأجر بدأت تتحول إلى جزء من الماضي، وكثير من العمال سيجدون فرصة السفر مع الوقت أقل جاذبية لأن القدرة الشرائية لما يتحصلون عليه في بلادهم تصبح قريبة مما يتحصلون عليه لدى السفر، وبحيث لا يساوي الفرق التكلفة النفسية للغربة والعيش بعيدًا عن أسرهم وأهلهم.

من الضروري في بناء رؤية تنموية متكاملة البحث عن استثمارات لا تستورد عمالتها من الخارج، ويمكن أن تجد العمالة الأردنية المدربة والمؤهلة في قطاعات توجد مواردها داخل الأردن، مثل تصنيع مستخرجات التعدين في الفوسفات والبوتاس الدخول في استثمارات الصناعات التحويلية لغايات التصدير، وبذلك يمكن للمستثمر أن يستفيد من تكلفة مدخلات التصنيع ويناقلها لمصلحة تكلفة العمل، وهذه واحدة من المعضلات الأساسية في الاستثمار الذي يضع قدمًا داخل الأردن وأخرى خارجها، ويحاول التمركز في المضاربة أو العقارات أو الاستفادة من مزايا جمركية منحت للأردن سابقًا.

التعامل مع سوق العمل في الأردن ضروري، ووجهات النظر كثيرة حوله، والمهم أن تبقى وزارة العمل، ومعها الحكومة المتصلة ببقية القطاعات على حالة دائمة من التواصل مع الأطراف الفاعلة، فالملف لا يتطلب القرارات الصادمة التي يمكن أن تحدث آثارًا جانبية تتحول إلى مشكلة أخرى مع الوقت، بقدر ما يحتاج معالجة موضوعية تخدم مصالح الجميع المرتبطة بالمصلحة العامة.