تخطو المملكة الأردنية الهاشمية خطوات متسارعة نحو تعزيز منظومة الحوكمة، باعتبارها ركيزة أساسية للإصلاح الإداري والاقتصادي، ومفتاحًا لتعزيز ثقة المواطن بالمؤسسات. فخلال العقدين الماضيين، تحوّل مفهوم الحوكمة في الأردن من كونه مصطلحًا إداريًا نخبويًا إلى ممارسة مؤسسية مدعومة بإرادة سياسية وتشريعية واضحة.
تتجلى هذه الجهود في جملة من التشريعات والسياسات التي أرست قواعد المساءلة والشفافية، مثل قانون النزاهة ومكافحة الفساد، وتعديل قانون الشركات، إضافة إلى تفعيل دور الجهات الرقابية كديوان المحاسبة وهيئة النزاهة. كما يُسجَّل للبنك المركزي الأردني دوره الريادي في تعزيز الحوكمة في القطاع المالي، من خلال متطلبات الإفصاح والرقابة المستقلة وتعزيز كفاءة مجالس الإدارة.
رغم هذه الإنجازات، لا تزال بعض التحديات قائمة، أبرزها الحاجة إلى ترسيخ ثقافة الحوكمة داخل المؤسسات، وعدم الاكتفاء بالامتثال الشكلي للأنظمة، إلى جانب ضعف التنسيق أحيانًا بين الجهات الرقابية والتنفيذية. ومع ذلك، فإن الإرادة السياسية، وارتفاع الوعي المجتمعي، وتطور بيئة الأعمال، تشكل جميعها عناصر داعمة لمسار الحوكمة في الأردن.
الحوكمة ليست رفاهًا إداريًا، بل ضرورة وطنية، تضمن الاستخدام الأمثل للموارد، وتكافؤ الفرص، وصيانة المال العام. والمطلوب اليوم هو مواصلة البناء على ما تحقق، وتعزيز الشفافية كمنهج حياة مؤسسي، وصولًا إلى نموذج أردني ناضج في الحوكمة، يُحتذى به في الإقليم.
مدرب الحوكمة والامتثال ومكافحة غسل الاموال
Qosai90j@Gmail.Com