خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

بيروت حزينة.. لا تبكي لكنها تنزف ..

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
د. مهند النسور

منذ لحظة وصولي إلى مطار بيروت، شعرت أن شيئًا ما قد تبدّل في هذه المدينة التي عرفتها لسنوات. لم تكن تلك المدينة التي أحببتها بكل فوضاها ودفئها وكرامتها العالية. هذه المرة، بدت بيروت منهكة، محمّلة بثقل لا يمكن إخفاؤه.

بيروت التي عرفناها صلبة، مشاكسة، مشرقة رغم كل ما مرّ بها، باتت اليوم متعبة. شهدتُ فيها في السابق محطات لا تُنسى: من اغتيالات، إلى ثورات الساحات، إلى عودة المنفيين وخروج السجناء، إلى وجوه الشباب المضيئة بالحلم. لكن بيروت اليوم تُشبه مدينة أُنهكت من البكاء، ولم يبقَ في صوتها سوى الصمت.

في إحدى تنقلاتي البسيطة من الكافيتيريا إلى الفندق، عبر سائق تاكسي مسافة قصيرة، لم تتجاوز العشر دقائق، حدث ما لم أتوقعه. لم تمر لحظات حتى سالت دمعة على خدّه، وقال بصوت منكسر: «نايم بسيارتي من ست أو سبع أيام... بس حتى أقدر أبعث شي لأولادي. بيتي تهدّى، ومرتي والولاد ساكنين عند أهلها بالجنوب».

كان صادقًا في تعبيره، لا يستجدي، لا يتذمّر، فقط يروي. وفي روايته، تختصر بيروت اليوم: أبٌ يفترش سيارته، أمٌّ تُؤوي أبناءها في بيت أهلها، أطفالٌ بلا دفء، رجالٌ يتظاهرون بالقوة وقلوبهم مكسورة.

الحرب الأخيرة زادت المشهد ألمًا. أعادت أصوات الغارات والصواريخ مشاهد لا تُنسى، وكأن بيروت لا تعرف غير إعادة الألم في نسخ متكررة. وإن لم تكن المدينة ساحة المعركة، إلا أن حزنها حمل وجع الجنوب كاملاً، وارتدت ثوب الحداد من جديد، فوق أثوابها الكثيرة التي لم تخلعها منذ سنوات.

لكن الحرب ليست وحدها ما كسر بيروت. الانهيار الاقتصادي المتسارع، وغياب الخدمات الأساسية، وانتشار العتمة في البيوت والقلوب على حد سواء، كلها دفعت الناس إلى الحافة. بتُّ أرى التعب في الوجوه، والحيرة في النظرات، والخوف في عيون الأطفال.

ورغم كل ذلك، لا تزال في بيروت شرارة. شيء صغير يقاوم. قد تكون أغنية، أو قصيدة، أو طفل يصرّ على الضحك. إنها بيروت، وإن انكسرت، لا تموت.

نعم، بيروت تحتاج إلى الصلاة. إلى دعاء يخرج من القلب، لا من المناسبات. لكنها أيضًا تحتاج إلى أكثر من ذلك. تحتاج إلى من يمدّ لها يد العون الحقيقية، من يتجاوز الجراح والخلافات، ويجتمع على حبها.

بيروت لا تريد الشفقة، بل الوفاء. تحتاج إلى مبادرات إنسانية، إلى مسؤولية عربية وعالمية، إلى تكاتف لا تفرضه السياسة، بل تُمليه الأخوّة. فكما نصلّي لها، علينا أن ننهض بها، أن نمسك بيدها لا لنبكيها، بل لننقذها.

بيروت اليوم ليست فقط مدينة... إنها امتحان ضمير.

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF