أتت حكومة الدكتور جعفر حسان لتكون الثانية القادمة من مكتب جلالة الملك، وهو ما يعني أنها حكومة مطالبة بأن تستكمل دورًا مطلوبًا في منظومة التحديث السياسي الأوسع، فلا يمكن لرئيس الوزراء أن يتعلل بوجود تفاوت في الفهم أو تباين في زاوية الرؤية، والمطلوب أن تكون هذه الحكومات التي يتواصل دورها لقرابة السنوات الخمس هي المرحلة الانتقالية لتأسيس تجربة حكومات تمثل كتلًا سياسيةً تتحصل على أصوات الناخبين من خلال الأحزاب بوصفها البنى المقبولة والمستقرة لعملية التداول السياسي.
لم تكن المشكلة في الأردن في معظم تاريخه السياسي متعلقة بالحكومة بقدر ما بقيت متمركزة في المعارضة وفي آليات تشكلها، فهي إما معارضة مرتبطة بمشاريع أيديولوجية واسعة، قومية أو إسلامية، لا تمتلك بالضرورة حلولًا أو تصورات لمعالجة مشكلات طبيعية وحياتية لملايين المواطنين في السياقات الأردنية، أو معارضة من غير تجربة تمتلك ناصية التنظير، ويكون خطابها قائمًا على التعميمات الفضفاضة، فيتحدثون عن إصلاح التعليم بمعزل عن التكلفة والأدوات، والأمر نفسه بالنسبة للصحة، وبعض المنظرين تمكنوا من الانتقال من خانة النقد من الخارج إلى الاشتباك مع بعض القضايا ليواجهوا مشكلات متراكمة ومعقدة.
هذه الأمور لم تكن مشكلة الحكومة التي تتعامل أساسًا مع تاريخية تراكم التحديات في الأردن، ولم يكن في تاريخ المملكة سوى فترات قليلة يمكن الحديث خلالها عن مشروع تنموي واسع، بداية الستينيات وبداية الألفية الثالثة، أما غير ذلك فكانت الحكومات تتعامل مع صعوبات اقتصادية وأخرى اجتماعية وسياسية بما يجعلها أقرب إلى الإدارة والتسيير في المدى الزمني الضيق بانتظار نقطة انعطاف تحدث لمصلحة الأردن أو في الاتجاه المعاكس.
إلى اليوم، وبعد فترة نشطة للأحزاب في الفترة التي سبقت الانتخابات، لم يتمكن الأردن من صياغة مفهوم للمعارضة يمكن أن يطرح نفسه لقيادة تداول للسلطة يقدم مشاريع بديلة، فكثير من الأحزاب كان قوامها ومركزها يتشكل من مسؤولين سابقين أتوا من نفس الثقافة التي تعاملت مع المشكلات في الماضي، وهم أنفسهم تشكلوا ضمن آلية صعود بيروقراطي أو تكنوقراطي يختلف بجميع الأحوال والمعاني عن مفهوم المسيرة السياسية الديمقراطية.
لم يتحصل الأردن على فرصة لالتقاط الأنفاس في السنوات الأخيرة، وكانت الجولة الأولى من الحياة الحزبية التي يفترض أنها جزء من مسيرة التحديث مخيبةً للآمال ومحبطة على جميع المستويات، وتشاغلت الحكومات بملفات إجرائية كثيرة، وآخرها الاستغراق في الأزمات ذات الطبيعة الاقتصادية المرتبطة بالقرارات الأميركية الأخيرة، ومنها ملف المساعدات التنموية والتعرفة الجمركية.
على الرغم من هذه التحديات والمستجدات المرهقة، يبقى الالتفات للتحديث السياسي ضرورة مهمة لأن قيادة التحديث بوصفه خيارًا استراتيجيًا أساسيًا للمئوية الثانية من عمر المملكة، وفي مرحلة صعبة ومضطربة وسط تغيرات عالمية يمكن أن تصبح جذرية، ويتوجب على الحكومة أن تنظر في واقع الأحزاب الراهن وتقيم مواطن الخلل وتعمل على أدواتها من تحفيز وتمكين من أجل تجنب المزيد من الوقت الضائع.
الاشتباك مع ملف التحديث السياسي من جديد، وعلى أعلى المستويات ضرورة مهمة، وحكومات بنكهة ملكية تمتلك الهامش المريح الذي يجعلها في موقع متوازن بين النمط الكلاسيكي – الذي أثبت نجاحه في بعض المحطات – والمعارضة المنشودة التي يتوجب أن تمثل كل ما نفكر فيه خارج الصندوق.