إذا كانت الخطة التي تتبناها الحكومة الإسرائيلية الحالية هي إطالة الحرب والتشبث بها كتشبث الغريق بقشة؛ فلتتبنى الدول العربية خطة معاكسة قوامها إحلال السلام؛ وتصرّ عليها.
حين تقوم الخطة على العنف والإبادة تكون مذمومة عالمياً وفاشلة وغير مستدامة، إضافة لكونها مدّمرة وشريرة؛ وحين تقوم على الحوار الصادق والتفاوض الجاد بهدف تحقيق السلام فهي محمودة ومقبولة إنسانياً، وأكثر نجاحاً ونجاعة.
الدرسٌ المستفادُ من النهج الذي اتبعته الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أن سياسة فرض الأمر الواقع على الآخرين، من خلال القوة، هي سياسة فشلت في تحقيق المرجو فشلاً ذريعاً.
خاضت إسرائيل حرباً تلو الأخرى، مستخدمة أعتى الأسلحة؛ ولم تفلح في تحقيق ما تصبو إليه. وحرب الإبادة ضد غزة آخر دليل على هذا النهج المدمر العقيم، وعلى سياسات التّذاكي الخائبة.
الفترات القليلة التي لاقت فيها إسرائيل بعض القبول والاستحسان، واقتربت فيها من تحقيق بعض أهدافها، بما فيها ضمان «أمنها» و'استقرارها»، هي تلك التي دخلت فيها في مفاوضات جادة مع أطراف عربية وعقدت اتفاقيات معها.
لكن انقلابها على سياسة الحوار الصادق والتفاوض الجاد والرغبة في التوصل إلى حلّ، لم يأت إلاّ بالدمار الذي لا يصب في صالح أحد.
العاقل يتعظ ويعي الدّروس.
ومن هنا تأتي دعوتنا إلى التمسك بخيار السلام، الذي كان للأردن السبق في تبنيه كخيار استراتيجي؛ والذي تبنته عدة دول عربية، وأثنت علية دول العالم؛ وأتى أكله في مراحل ما.
لا خيار سوى هذا الخيار؛ ولو أن إسرائيل أكملت مشوارها، ولم ينقلب ساستها عليه، لكانت المنطقة، لا بل العالم، في وضع أكثر أمنا واستقراراً وازدهاراً.
لا نكتب هنا لنذكّر بالماضي، مع أن الذكرى ناقوس، كما يقال؛ لكننا نكتب لنقترح خطوة دبلوماسية عربية أكثر تنسيقاً وفاعلية مما تم ويتم.
التنسيق العربي أصبح أكثر زخماً مؤخّراً؛ وهذا مقدر. لكن المطلوب فعلٌ دبلوماسي أكثر محسوسية وأثراً، يتمثل في نحت موقف عربي موحد تنبثق عنه خطة لحل شامل للقضية الفلسطينية والأراضي العربية التي تحتلها إسرائيل.
وينبغي أن تؤسس هذه الخطة على قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة، وعلى الاتفاقيات التي وقعتها إسرائيل مع الأطراف العربية المعنية، وعلى مبادرة السلام العربية التي أطلقتها السعودية.
ينبغي أن تشمل التصور الدقيق الذي ينهي معاناة أهل غزة ويحفظ حياتهم وحقوقهم. إلا أنها يجب أن تتضمن حل القضية الفلسطينية برمتها.
وبعد بلورة تلك الخطة يُطلَب التواصل الفوري والمنظم مع كل دول العالم المساندة للسلام، بما فيها الدول الأوروبية المؤثرة، لكسب تأييدها ودعمها، ومع الأمم المتحدة، ومع الولايات المتحدة، والتي وعد رئيسها الحالي بتحقيق السلام.
ما يتم الآن من حراك سياسي من بعض العرب مهم. لكن الأهم في تقديرنا إطلاق خطة عربية موحدة وشاملة، مع آلية فاعلة للترويج لها والموافقة عليها.
وتأتي خطة الحلّ والسلم هذه في مواجهة خطة التأزيم والحرب. فلكل خطة لا بد من خطة مقابلة، حتى لا يكون هنالك فراغ.
شعوب العالم قاطبة تقف مع السلم الآن أكثر من أي وقت مضى؛ المطلوب حراك عربي قوي لتحريك حكومات تلك الشعوب نحو السلم، لأن الحكومات إن تحرّكت ستكون أكثر فاعلية.