خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

الهوية الوطنية والصناعات الإبداعية

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
يوسف منصور

تهدف رؤية التحديث الاقتصادي والاجتماعي الى رفع مساهمة قطاع الصناعات الإبداعية في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 8% سنوياً، وزيادة عدد العاملين في القطاع بنسبة 7.5% سنوياً، ورفع حجم صادرات القطاع بنسبة 24.8% سنوياً.

ولكن ما قد يغفله البعض هو مدى أهمية قطاع الصناعات الإبداعية في تعميق وتوثيق أواصر الهوية الوطنية في البلد مما يزيد من الثقة بين مكونات المجتمع ويقلل مثلا من تكاليف عقود الإنتاج والتبادل السلعي والخدماتي نتيجة للثقة بالآخر فترتفع معدلات الإنتاجية والنمو والتنمية، فالروابط الاجتماعية التي تربطنا هي الثروة الخفية للأمة.

تشكل الصناعات ال إبداعية نحو 3% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وتحقق إيرادات تتجاوز 2.3 تريليون دولار سنوياً، وتنمو بمعدلات 7-8% سنويا، وتولد 50مليون وظيفة أو 6.2% من إجمالي العمالة العالمية. وتعتمد على الإبداع الفردي والمهارة والموهبة، ولديها القدرة على خلق الثروة وفرص العمل من خلال تطوير أو إنتاج الملكية الفكرية كأنشطة التصميم والموسيقى والنشر والهندسة المعمارية والأفلام والفيديو والحرف والفنون البصرية والأزياء والتلفزيون والراديو والإعلان والأدب وألعاب الكمبيوتر والفنون المسرحية. وهي صناعات تمكّن من?تنويع الاقتصاد وتعظيم القيمة المضافة للمنتج دون الحاجة بالضرورة الى توفر المواد الخام.

ولكن ما علاقة الصناعات الإبداعية بالهوية الوطنية؟ هنالك العديد من التعريفات للهوية الوطنية،منها شعور الفرد بالانتماء إلى وطنه، وتجّسد القيم، العادات، التقاليد، والتاريخ المشترك، في المجموعة (الوطن) مما يحدد العلاقة بين المواطن ووطنه، ومدى الانتماء للوطن.

ومع تسارع التغيرات الاجتماعية والثقافية وغزو العولمة، أصبح تعزيز الهوية الوطنية ضرورة ملحة للحفاظ على وحدة المجتمع وتقدمه من خلال تقوية الانتماء والشعور بالمسؤولية، وتمتين الوحدة الوطنية ونبذ الفُرقة، والحفاظ على التراث الثقافي والقيم الوطني لبناء مجتمع متماسك.

ومن أفضل الممارسات في بناء الهوية الوطنية: تبني لغة مشتركة (رسمية)؛ ضمان التنوع الثقافي في الهوية الوطنية (كالاعتراف والاحتفال بالثقافات المختلفة ضمن هوية وطنية شاملة تساعد على تفادي الصراعات الداخلية وتعزز شعورًا إيجابيًا بالتسامح والتنوع)؛ وتوضيح القيم الوطنية وطرق تعزيزها؛ وتعزيز التمثيل الرمزي للثقافة والتراث الوطني من خلال حفظ وتعزيز التراث الثقافي كالمعمار وغيرها للأغراض السياحية وبناء الهوية الوطنية؛ وربط الهوية الوطنية بأولويات التنمية الاقتصادية (تنويع واستدامة الاقتصاد) وتزويد المواطنين بالمهارات?والتوجهات المطلوبة للعمل؛ والاستخدام الفعّال للنظام التعليمي في غرس مفاهيم الهوية والقيم الوطنية؛ والاستخدام الفعّال للإعلام المسموع والمقروء في غرس مفاهيم الهوية الوطنية والقيم الأردنية؛ وتعزيز صورة الأردن الإيجابية لدى العالم الخارجي؛ والاستخدام الفعّال للقطاع غير الحكومي في تشكيل وتعزيز الهوية من خلال تمثيل مصالح الفئات الفرعية، كالشباب والنساء والتأكيد على التنمية المحلية.

ومن المتعارف عليه أن ذكريات الطفولة والمكان الأول الذي نشأ فيه الفرد يشكلان جزءًا أصيلًا من هويته الوطنية. فملاعب الصبا، والأحياء القديمة، والقصص التي عاشها الإنسان في صغره، تخلق رابطًا وجدانيًا مع الوطن، فتنمي مشاعر الانتماء، وتجعل الفرد يشعر بأن الوطن ليس مجرد مكان، بل تجربة شعورية عميقة تكوّن جزءا هامًا من شخصيته يدين له بالمحبة والولاء مهما تشتّت به الأسفار.

لذا يعتبر من وسائل تعزيز الهوية الوطنية أن يتم إعادة توظيف الأبنية القديمة (حيث ذاكرة الافراد وأول تجاربها) وتحويلها إلى مساحات ثقافية ومراكز للفنون تدعم الصناعات الإبداعية مثل الحرف اليدوية، الفنون، والتصميم، فتنشط السياحة الثقافية وتتوفر فرص عمل محلية جديدة،ويتم الحفاظ على التراث المعماري وتوثيق الهوية الوطنية.

فلنأخذ مثلا، مبنى مدرسة العبدلية الإعدادية، التي تأسست خلال عهد الملك عبد الله الأول بن الحسين، فكانت من أوائل المدارس الحكومية في عمان، حيث يقع مبنى المدرسة في قلب العاصمة عمّان في بداية ما كان يسمى «طلوع الحايك» أو طلعة الدوار الأول.ويتميز المبنى بتصميمه المعماري التراثي الذي يحمل كل حجر منه ألف ألف ذاكرة وذكرى وإرثا من التجارب وعلاقات الصداقة ليكون جزءا لا يستهان به من مكونات هويات آلاف الطلاب الذين درسوا فيها على مدى عشرات السنين.

للأسف، نجد اليوم مبنى هذه المدرسة مهملا، ومهجورا، حيث تم قبل فترة من الزمن بنقل المدرسة الى مبنى مدرسة آخر (كان مدرسة للبنات)، ونقلت مدرسة البنات الى مبنى مدرسة شكري شعشاعة (وكانت للبنين)، وكأنها رقع شطرنج بلا جذور في المكان أو الهوية، فاندثرت ذاكرة المكان واجتزأت بذلك ذكريات آلاف الدارسين فيها.

لماذا لا يتحول هذا المبنى الى متحف؟ هنالك عدة أمثلة في عمان. قامت مؤسّسة محمّد وماهرة أبو غزالة بمبنى نادي الجزيرة والذي كان يسمى سابقا «فيلا توفيق أبو الهدى» الذي شغل منصب رئيس للوزراء في الأردن 12 مرة في عهد ملوك ثلاثة هم الملك عبد الله الأول بن الحسين والملك طلال بن عبد الله والملك الحسين بن طلال رحمهم الله. تحول هذا المبنى الجميل القديم، الى مساحة فنية دائمة تتضمن المعارض وورشات العمل والعروض والإقامات الفنية معارض تشكيلية وبصرية مختلفة، ومكتبة فنية متخصصة يُفتخر بها.فأصبح المبنى بتاريخه، وما شهده من أ?داث، مساحة جميلة حافظت على الذاكرة وخلقت وظائف إبداعية لا يستهان بها.

هناك أيضا دارة الفنون الذي أسسته مؤسسة عبد الحميد شومان في جبل اللويبدةسنة 1993، وهي مكونة من ثلاثة مبان تراثية تعود ملكيتها لأسر أردنية عريقة مقامة فوق آثار بيزنطية قديمة. الدارة الآن مركز فني يخدم الفنانين العرب، وفيه معرض دائم، ويقوم بنشر المطبوعات المتعلقة بالفنون البصرية والتشكيلية. لولا تحويل هذه الدور الى متاحف لاندثرت وراح معها جزء هام من تاريخ الأردن وهويته.

المطلوب إيجاد مشروع وطني لتحويل المباني القديمة الى جزء مصون من التراث الأردني، وتحفيز صناعات إبداعية من خلاله، وتعظيم الهوية والانتماء، حمى الله الأردن قيادةً وشعبًا ووطنًا وأرضا. وهنا لا بد من تفاعل مؤسسات المجتمع المدني والحكومي لبناء صناعة المتاحف، لتحفيز الصناعات الإبداعية والثقافة الجماهيرية المشتركة وحماية الهوية الأردنية.

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF