كتاب

المُحتمَل والرّاسخ!

المتحدثون حول الحالة السورية الراهنة والمحللون لها تندرج طروحاتهم تحت ثلاثة عناوين عريضة: التفاؤل والتشاؤم و«التشاؤل».

أصحاب الرأي الأول، المتفائلون، يبنون رأيهم على بعض المؤشرات الإيجابية المتمثلة في «انتقال» السلطة اللاعنفي لغاية الآن وتصريحات اللاعبين الجدد في الساحة والخطوات التي اتخذت لتاريخه، والتي تشي بأن الاتفاق بين الأطراف المؤثرة عقب انهيار النظام ممكن.

ومما يعزز هذا الرأي أن الوضع في أثناء وفي أعقاب تراجع النظام ثم انهياره لم يتسم بالفوضى العارمة والعنف اللامسؤول، بل بالهدوء النسبي الحذر، وربما الواعد، رغم بعض الوقائع السلبية.

وهذا الرأي، مع فوارق نسبية، هو نفس الرأي الذي ساد في مطلع «الربيع العربي»، والمتمثل في أن الشعوب تواقة للحرية والعدالة والحياة الكريمة، وبالتالي فإن من مصلحة الجميع العمل على تحقيق ذلك.

وقد تفيد سوريا من تجارب الدول التي سبقتها؛ فتكون الاستثناء لا القاعدة؛ وتكون قصة نجاح في التحول إلى الديمقراطية.

ولم لا؟

أصحاب الرأي الثاني، المتشائمون، لديهم قناعة بأن ما حدث جاء بتخطيط ودعم من دول طامعة، سياسياً واقتصادياً، وأن مصالحها ومطامعها تتحقق من خلال غياب أو تغييب الوفاق والاتفاق بين المكونات الوطنية السورية ومن خلال خلق وإدامة الفوضى «الخلاقة» المشؤومة إياها، التي فُرضت على دول «الربيع»، وأن سوريا ستحذو حذوه هذه الدول لا محالة، مُشكّلة القاعدة لا الاستثناء.

وسوريا فيها من المقومات الاقتصادية والجغرافية التي تجعل تلك القوى طامعة فيها ومخططة لإفشال أية محاولات للتفاهم والاستقرار.

أما أصحاب الرأي الثالث، المتشائلون، فينظرون من الزاويتين آنفتي الذكر في آن واحد، وهم بالتالي في حيرة من أمرهم، متفائلون ومتشائمون بنفس القدر؛ وفي رأيهم فإن الأمور قد تأخذ أياً من الاتجاهين المذكورين، الخراب أو العمار، حسب مقتضى الحال وحسب ما تتمخض عنه نتائج الأفعال على الأرض.

وحقيقة فإننا نضع المواقف الثلاثة هذه في خانة «المُحتّمَل» فكل شيء وارد؛ والتشاؤل هو سيد الموقف. فمن الممكن، إذا ما تحلّت الأطراف بالحكمة وغلبت المصلحة الوطنية على مصالح الأطراف الضيقة أن يتحقق السيناريو الإيجابي وتكون سوريا الدولة «الربيعية» بالمعنى الإيجابي.

بالمقابل، يمكن للأمور أن تأخذ الاتجاه السيئ، المتمثل في خلافات تجلب التوتر والشلل السياسي والعنف، إذا لم تتمكن الأطراف المعنية من إيجاد القواسم المشتركة، وإذا ما تمسك كل طرف بأن تكون له، دون غيره، الكلمة العليا؛ الأمر الذي حدث في عدة دول «ربيعية».

أما الرّاسخ، والواضح وضوح الشمس، فهو أن طريق النجاة الوحيد لأي دولة يتمثل في انفتاح الكل على الكل، والسعي الحثيث للتفاهم على صيغة تقوم على احترام التعددية والاختلاف ليكي ينضوي الجميع في بوتقة ديمقراطية حقيقية قوامها الأحزاب المنتمية للوطن قبل انتمائها لنفسها أو لأي جهة خارجية، والساعية لاحتضان الشعب بكافة أطيافه والسهر على أمنه وطمأنينته وخدمته وراحته.

الفرق بين الدول الناجحة والدول المتعثرة معروف للجميع؛ وإذا ما توافرت النية الصادقة والإرادة والإدارة، فلا شيء يمنع أن تنهض سوريا من عثراتها لتكون الأنموذج الديمقراطي المنشود.

الكرة في ملعب الجهات المعنية في الساحة الآن؛ فإما العمار وإما الدمار؛ ونأمل أن يكون الأوّل.