بعد الان ستمنح هذه الحكومة دفعة قوية لملف الاصلاح الاداري فهي تعرف ان خطتها في التحديث الاقتصادي لن تكتمل من دون جهاز اداري يساندها وهي لن تقبل اية عراقيل.
ليس هذا فحسب فيتعين عليها مراجعة المعيقات القانونية التي تعرقل عملية اتخاذ القرار بل ان هذه القوانين المتشابكة والمتناقضة احيانا تكون سلاحا في يد البيروقراطية المعطلة تخيف المسؤول وتحيل المراجع مواطنا كان ام مستثمرا الى اليأس.
مثلا هناك ما يقارب 44 قانونا له علاقة مباشرة وغير مباشرة بالاستثمار و1000 نظام يعنى بتنظيم الاستثمار في الأردن و800 نص من التعليمات التي تعنى ببيئة الاعمال والاستثمار ويقوم بالعمل على انفاذها أكثر من 50 وزارة وجهه حكومية.
ما سبق ليس اجتهاد من كاتب هذه الزاوية لا هي دراسة قامت به جهة ذات خبرة طلب اليها ان تحدد عراقيل الاستثمار.
ليس فقط القوانين والانظمة والتعليمات لا هناك من يبرع في اخراجها من الادراج عندما يتطلب الامر فما زال بيننا من يعرقل عن قصد عندما يسيء فهم السلطة الممنوحة له وهناك من يعتقد خطأ ان التحديث والتطوير سيخرجه من اللعبة وهناك المعرقلين لغايات ومصالح شخصية.
لماذا تدور معاملة لفرز الاراضي كل هذه المكاتب والدوائر والوقت لانجازها ولماذا في عصر الاتمتة والحكومات الالكترونية تحتاج معاملة الى كل هذه التواقيع لماذا يحتاج المواطن الى الذهاب الى الدائرة المعنية اذا كان ممكنا انجاز معاملته الكترونيا.
يتخذ موظفون من محدودية الامكانات مبررا للكسل والإهمال وتأجيل معاملات الناس التي لا تحتاج إلى كوادر ولا إلى امكانات بينما قد لا يستغرق إنجازها دقائق، لكن المشكلة الأهم هي في القناعة المترسخة في شخصية الموظف من أنه يزيد على المراجع بالأهمية هو الذي يجعل من مراجعته أو حتى سؤاله عما يفعل قضية شائكة يدفع المراجع ثمنها بمزيد من التعطيل والموظف سيبقى لا يكترث ما دامت القوانين تعتبر مجرد مناقشته فيما يفعل ولو بشيء من الحدية من جانب المراجع اعتداء.. سلوك بعض الموظفين في أكل وقت العمل وهدر وقت المواطن المراجع في ظل تواطؤ المدراء هو بلا شك هدر فالوقت له كلفة، وربما من المفيد جدا التشدد في الرقابة ليس على الموظفين فحسب بل على المدراء ممن يحسنون لعبة التواطؤ في هدر وقت الحكومة ووقت الناس، ورغم ملايين الدنانير التي أنفقت في الإرشاد والتوعية للموظف عبر مئات الدورات في أصول الإدارة وخدمة الناس واللباقة واللياقة والاحترام إلا أن ذلك ما يزال عند البعض يبدو ترفا أو فسحه يتخلص فيها من عبء العمل والدوام لذلك وفي مقابل هذه السلوكيات والهدر غير المفيد في التوعية تبدو الرقابة الصارمة والعقوبة حلا مثاليا.
ولعل الأهم في كل هذه العملية هو فقدان المصداقية والثقة، ذلك أن الموظف الذي يمارس مثل تلك السلوكيات يجعل من كل ما يقوله المسؤول من تصريحات مقروءة ومسموعة ومرئية كلاما فارغا وبلا مصداقية.
ليس بامكان أي وزير مهما اتسعت دائرة متابعته أن يتعرف على بواطن الأمور، وهو يجلس خلف مكتبه.. يشاهد ربما مئات التقارير المكتوبة ويستمع إلى مثلها فالعين والتفاعل هما أفضل تقرير، يعكس الحقائق ويستوعب الأوضاع بواقعية.
الاستغلال السيئ للبيروقراطية هو ذاته فن تفويت الفرص.