لقد صرح «سموتريش» وزير المالية الإسرائيلي، وزعيم حزب «الصهيونية الدينية» أمس بأنّ عام 2025 سوف يكون عام السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، وزاد بأنه وضع الخطط لذلك، وأنه يأمل أن يساعد انتخاب ترمب في تحقيق هذا الهدف، ويأتي تصريح الوزير الإسرائيلي المعروف بيمينيته المتطرفة في خِضّم حملة إسرائيلية محمومة في الضفة الغربية لا تقل شراسة عمّا تمارسه دولة الاحتلال الإسرائيلي من «إبادة جماعية» موصوفة في قطاع غزة، وقد أدت هذه الحملة حتى الآن إلى استشهاد أكثر من 700، واعتقال أكثر من 11,000 فلسطيني، ناهيك عن أشكال?الاضطهاد والتنكيل والتخريب التي تمارسها قطعان المستوطنين تحت سمع الجيش والشرطة الإسرائيليين وبصرهما!
ولكي نضع تصريح الوزير الإسرائيلي في سياقه فإنّنا يجب أن نتذكر أنه يُطبّق سياسةً متفقاً عليها من كافة أركان اليمين الإسرائيلي الحاكم تُسمى بسياسة «الحسم» ومفادها وضع الفلسطينيين أمام خيارات ثلاثة: القتل على يد الجيش الإسرائيلي، أو الهجرة، والرضوخ للحكم الإسرائيلي والعيش دون أية حقوق سياسية.
ولكن... لماذا يتكلم «سموتريش» بكل هذه العنجهية والثقة وفي تحدٍ صارخ لقرارات الأمم المتحدة التي نصت على حل الدولتين (دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية)، وفي تجاهلٍ واضح لقرار محكمة العدل الدولية الأخير القاضي بأنّ الوجود الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة هو «احتلال»، وأنه يجب أن ينتهي خلال عام؟
إنّ غطرسة سموتريش وثقته بقدرته على تطبيق ما يقول نابعة من عدة ظروف موضوعية أهمها:
أولاً: انزياح الرأي العام الإسرائيلي نحو اليمين، والدليل على ذلك تضاؤل تمثيل الوسط واليسار في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست)، إذْ فشل حزب اليسار الإسرائيلي «ميرتس» في الانتخابات الأخيرة ولم يستطع تجاوز ما يُسمى بالعتبة الانتخابية (3% تقريباً من أصوات الهيئة الناخبة)، كما أنّ حزب «العمال» الذي يمثل «الوسط» لا يتوافر الآن إلّا على أربعة مقاعد في الكنيست، والواقع أن سموتريش لا يغرد خارج السرب، وإنما يعبّر بموضوعية عن الرأي العام الإسرائيلي الذي يريد أن يبتلع الضفة الغربية، ويرى أن لا مجال لقيام دولة فلسطينية ع?ى «أرض إسرائيل» التي يسميها «يهودا والسامرة"!.
ثانياً: الاستناد إلى اليمين المنتصر في الدولة الأعظم في العالم وهي الولايات المتحدة والتي يمثلها الآن الرئيس ترمب الذي سبق وأن قدّم لإسرائيل ما لم تكن تحلم به كنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، وغض النظر عن الاستيطان المُستشري، وحجب المساهمة الأميركية عن الأونروا (أكثر من 300 مليون دولار)، بل والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على «الجولان» السوري المحتل!
إنّ اليمين الإسرائيلي يجد في انتصار ترمب انتصاراً له، وهو يأمل في أن يتفهم الرئيس الأميركي كل ما تريد إسرائيل أن تقوم به انطلاقاً من ايديولوجيته المسيحية المتصهينة التي ترى أن دعم إسرائيل هو ضرورة تسبق مجيء المسيح المنتظر!
ثالثاً: الدعم اللامحدود الذي تحظى به إسرائيل من الغرب (بريطانيا، ألمانيا، فرنسا، إيطاليا...) فضلاً عن الولايات المتحدة وبخاصة أن هناك أحزاباً يمينية قوية في بعض البلدان كفرنسا، وإيطاليا، وهولندا وغيرها، ومن الواضح في ظل ما يجري في قطاع غزة من «مجازر»، و «مقارفات» بشعة أنّ الدول الغربية ماضية في دعم إسرائيل بغض النظر عن الكلفة البشرية الهائلة التي يدفعها الشعب الفلسطيني، وبغض النظر عما في ممارسات إسرائيل من تجاوز لكل القوانين الدولية، والقوانين الدولية الإنسانية، بل والاخلاقيات والمبادئ التي تواضع عليها الب?ر في كافة أنحاء المعمورة.
رابعاً: حالة «الشلل» التي يعاني منها الوضع العربي والإسلامي الداعم للحق الفلسطيني (باستثناء ما يقوم به الأردن في حدود إمكانياته من جهود سياسية وإغاثية)، فلماذا يأخذ «سموتريش» وأمثاله من المتطرفين الصهاينة العرب والمسلمين بجدية عندما يرى أنّ (57) دولة عربية وإسلامية تجتمع في مؤتمر الرياض غير العادي ولا تتبنى أية خطوات عملية (أو مواقف لا كلاماً على حد تعبير جلالة الملك) كتجميد العلاقات (كما فعل الأردن)، أو وقف التطبيع، أو سحب الأرصدة، أو ممارسة الضغط الحقيقي على الإدارة الأمريكية، أو تأسيس صندوق لدعم فلسطين ?لبنان، بل تكتفي بالتذكير بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بالحق الفلسطيني، وببعض عبارات الشجب والإدانة؟ إنّ سموتريش يطبّق في الواقع ما قاله مؤسس دولة إسرائيل «بن غوريون» ذات يوم (ليس المهم ما يقوله «الأغيار» أيّ الآخرون بل ما يفعله اليهود!).
خامساً: استمرار «الانقسام الفلسطيني» وبالذات بين الفصيلين الرئيسيين: حماس وفتح، حيث لم تنفع اجتماعات موسكو، وبكين، والقاهرة في ردم الهوة بين الطرفين إذْ ما زالت هناك السلطة الوطنية الفلسطينية (التي تديرها فتح في الواقع)، ويعترف بها العالم، وحماس وبقية الفصائل المقاتلة التي تعتبرها كثير من الدول حركات «إرهابية»، فلماذا لا ينهض الفلسطينيون بمسؤولياتهم ويوحدوا صفوفهم (في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني) ويقدموا أنفسهم إلى العالم جهة واحدة مُمثّلة لكل أطياف الشعب الفلسطيني. ?ن هذا الفشل لا يقل خطورة من حيث نتائجه عن حالة «الشلل» العربي، وعن الصمت المُريب الذي يمارسه العالم بشأن ما يجري للشعب الفلسطيني من تقتيل، وتدمير، وتهجير، وتجويع.
وختاماً فإنّ «سموتريش» لا ينطلق من فراغ بل من واقع يرى فيه فرصته للانقضاض واستكمال المهمة في فلسطين كلها فأينّ الأمة يا تُرى؟!