لم يعد خافيا حجم المخاطر والتحديات التي تواجه وطننا الأردني وجودا وهوية، وبخاصة ما تمارسه دولة الاحتلال وقادتها من عتاة اليمين العنصري الديني المتطرف، الذي لا يخفي اطماعه في كل فلسطين التاريخية، بل تتعداها لتشمل الجغرافيا العربية، بما فيها بلادنا. والخطير في كل ذلك أنه يصدر عن قيادات متطرفة دينيا وقوميا وتمارس الحكم، وليس عن أشخاص متطرفين خارج السلطة، والذين اعتدنا على أمثالهم منذ قيام الكيان الاسرائيلي قبل سبعة عقود ونيف. اي أننا في مواجهة مباشرة مع أكثر القادة الصهاينة يمينية في تاريخ هذه الدولة العدوانية، التي تخوض حروبها الظالمة منذ إنشائها عام النكبة. بل ان اخطار هذه الزمرة العنصرية المنفلتة من أي عقاب او مساءلة، لا يهمها ان تجر المنطقة والعالم باجمعه لمسلسل من الحروب الدينية التي لا تنتهي، مما يشكل خطرا داهما على شعوب المنطقة، بما فيها الاسرائيليين أنفسهم.
ان هذه التحديات الحقيقية الماثلة أمامنا تفرض علينا تحمل مسؤولياتنا، في إطار مشروعنا للتحدي والمواجهة، حماية لبلادنا ومصالحنا الحيوية من خلال:
أولا: عربيا- فعلى الرغم من واقع التشرذم والانقسامات
العربية، وانكفاء معظمها في ذاتيتها الضيقة، إلا أن الأخطار الداهمة، تفرض ضرورة ان تستمر الجهود لاستنهاض الشعور بالخطر الجمعي، لإيجاد الحد الأدنى من التضامن والتعاون والتكاتف، من أجل خلق حالة من التوازن، قادرة على مواجهة الأخطار التي تحدق بنا جميعا. ويقينا ان بلدنا بقيادته التي تتمتع بمكانة خاصة على كافة المستويات، لقادرة على تغيير الواقع، وبالتالي موازين قوى الصراع والمواجهة، التي يمكن ان تضع حدا لهذا اليمين الصهيوني الغارق في غطرسته، الذي تحركه حالة فائض القوة المفرطة والمنفلتة من المحاسبة والردع، بل إنه يسعى إلى اغراق المنطقة في دماء الحروب الدينية التي لا تنتهي. فالاطماع الصهيونية التوراتية معلنة بوضوح، وتشمل مساحات جغرافية تمتد من مصر إلى العراق وما بينهما، وصولا الى سوريا ولبنان شمالا والسعودية جنوبا.
من هنا، فإن هذه التحديات الكبرى التي تواجه أمتنا العربية تفرض تنحية الخلافات البينية جانبا، وتحشيد الجهود في مواجهة الأخطار الوجودية على الأمة ومشروعها النهضوي. ونحن على ثقة من ان الدبلوماسية الأردنية، التي يقودها جلالة الملك، تعي تماما هذه الأخطار، وتنطلق منها لحشد الجهود العربية وتطويرها لتحقيق التوازن المطلوب في معادلة الصراع مع اليمين الصهيوني.
ثانيا:اقليميا ودوليا- كما انه، وللاسباب ذاتها، ونعني مكانة جلالة الملك على المستويين الإقليمي والدولي، يمكن حشد التأييد الدولي بالعمل مع عواصم صنع القرار، لمثل هذا التجمع العربي واضح الأهداف والغايات، بعيدا عن الاستقطابات والخلافات البينية الضيقة، لتكون الاولوية في حشد الرأي والمواقف، للوقف الفوري للعدوان الاسرائيلي، والعمل المباشر لتفعيل آلية الامم المتحدة للقيام بواجباتها، وفق قيم العدالة والسلام، القائم على حق الشعوب في الاستقلال وتقرير المصير، وفي مقدمتها حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية المشروعة، غير القابلة للتصرف.
ثالثا: وطنيا- ان تعزيز قوة بلدنا، وترسيخ صموده أمام التحديات التي تواجهه، وقدرته على التأثير في محيطه العربي والاقليمي والدولي.. يحتاج، بالضرورة، إلى بناء جبهة داخلية صلبة عصية على الاختراق، قوامها وحدة شعبنا، بكافة فئاته ومكوناته الاجتماعية والسياسية والفكرية، والتفافها حول قيادته ومؤسساته، في إطار دولة القانون والمؤسسات الراسخة، والانتماء للأردن وطنا وهوية. وهذا يتطلب دعم مسيرة الإصلاح والتحديث الشامل، بعيدا عن الصغائر والمماحكات والمناكفات التي تبدد الجهود وتشتت الطاقات والامكانات، وتدخلنا في دوامة الصراع والتشكيك والخلافات التي تضيع البوصلة نحو الهدف الأساس، وتضعف منعة المجتمع وقدرة الدولة على المواجهة والانتصار في مشروع التحدي الأردني، الذي لا يحتمل التأجيل او التعطيل، وفق مبدأ: الأخطار توحدنا !!
واخيرا، فإننا على ثقة من قدرة بلدنا، بقيادته الحكيمة، والتفاف شعبنا حولها، على التصدي للاخطار والتحديات التي تواجهنا، مهما بلغت، والخروج منها أكثر قوة وصلابة، وتصميما على المزيد من العطاء والإنجاز، وبناء الأردن القوي الانموذج..