اغتيال حسن نصرالله يشكل نقطة تحول فارقة في تاريخ لبنان والمنطقة، حيث جاء في وقت حساس تتشابك فيه المصالح المحلية والإقليمية على نحو غير مسبوق، هذا الحدث، الذي يحمل في طياته تداعيات سياسية وأمنية عميقة، ليس فقط على مستوى حزب الله، بل على ميزان القوى في المنطقة بأسرها، لقد أضاف اغتياله طبقة جديدة من التعقيد إلى الساحة السياسية، مما يستدعي قراءة عميقة للتغيرات المحتملة التي قد تنجم عنه، سواء على المستوى اللبناني الداخلي أو في سياق الصراعات الإقليمية المتشابكة.
لفهم أعمق لهذا الحدث، يجب العودة إلى تاريخ تطور نفوذ حزب الله منذ الثمانينيات، حيث استطاع الحزب تعزيز موقعه من خلال دوره في الصراع مع إسرائيل وشبكته الاجتماعية داخل لبنان، ومع دخول الحرب السورية، توسع دوره ليصبح شريكاً اساسياً لإيران في سياساتها الإقليمية، هذه الخلفية التاريخية تضع اغتيال نصرالله في سياق أوسع، حيث يمثل الحزب جزءا من استراتيجية إيران في المنطقة، مما يجعله هدفاً لمحاولات تقويض هذا النفوذ.
اغتيال نصرالله يبرز تعقيد المشهد الأمني في لبنان، حيث أن القوى المتصارعة، سواء محلية أو إقليمية، لا تكتفي باستخدام الوسائل السياسية فقط، بل تلجأ إلى خيارات متطرفة مثل الاغتيالات أو التصعيد العسكري. هذه العملية قد تكون جزءا من حملة أوسع تهدف إلى زعزعة استقرار حزب الله أو الضغط عليه في لحظة حرجة، التداخل بين الأبعاد الأمنية والسياسية يجعل من الصعب تحديد الهدف الحقيقي، لكن من الواضح أن هذه التحركات هي جزء من صراع أكبر على النفوذ داخل لبنان.
الأبعاد الإقليمية تلعب دوراً رئيسياً في تفسير هذا الحدث، فحزب الله ليس مجرد قوة لبنانية، بل هو جزء من شبكة إقليمية معقدة تشمل إيران وسوريا، وله تواجد في صراعات أخرى مثل العراق واليمن، هذا يجعله هدفاً لقوى أخرى تسعى لتغيير موازين القوى في المنطقة، اغتيال نصرالله يمكن أن يُفهم كجزء من هذه الجهود الرامية لإضعاف النفوذ الإيراني في المنطقة، خاصة مع التصعيد المتزايد بين إيران وإسرائيل والضغوط المتزايدة من دول الخليج.
لكن التحديات التي تواجه حزب الله لا تقتصر على التهديدات الأمنية فقط، بل تشمل ايضاً الضغوط الاقتصادية والسياسية، الأزمة المالية التي يمر بها لبنان أثرت بشكل كبير على الحزب، مما جعله يواجه صعوبة في الحفاظ على توازنه داخل البلاد، في ظل هذه الضغوط، فإن اغتيال نصرالله قد يكون محاولة لتوجيه ضربة مزدوجة، تضرب الحزب عسكرياً واقتصادياً في نفس الوقت.
المشهد المستقبلي يبقى مفتوحًا على عدة سيناريوهات، من بينها التصعيد المستمر إذا استمرت الضغوط الإقليمية على الحزب، سواء من إسرائيل، من جهة أخرى، قد يكون هناك توجه نحو احتواء الأزمة من خلال حلول سياسية أو مفاوضات تقلل من نفوذ حزب الله دون الحاجة إلى مواجهة عسكرية مباشرة، اخيراً، هناك احتمال أن تكون هذه التحركات جزءاً من محاولات لتفكيك الحزب داخلياً من خلال استهداف قياداته أو زعزعة ثقة قاعدته الشعبية.
يبقى مستقبل لبنان في مهب الريح، حيث تتزايد التحديات من كل الاتجاهات، إن اغتيال حسن نصرالله ليس مجرد حدث عابر، بل هو تجسيد لصراع أكبر يتداخل فيه المحلي بالإقليمي، المواطن اللبناني يعاني من ضغوط اقتصادية وأمنية تجعل حياته أكثر تعقيداً، في ظل هذه الأوضاع المتوترة، تطرح التساؤلات: إلى أين يتجه لبنان؟ وهل هناك فرصة لاحتواء هذه التوترات المتعددة، أم أن البلاد على شفا مرحلة جديدة من الصراع والتغيير؟