أول ما يخطر في بال أي مهتم بالعمل السياسي أو الاعلامي، عندما يقرأ أو يسمع هذا المصطلح، اذاعة «صوت العرب» ونجمها الرئيسي المرحوم أحمد سعيد، وعلى الفور تعود الذاكرة الى هزيمة العرب في حرب 5 حزيران – يونيو عام 1967، والبيانات التي كان يذيعها احمد سعيد عن انتصارات وهمية يحققها الجيش المصري على اسرائيل، والعدد الضخم من الطائرات الحربية الاسرائيلية التي كان يعلن عن اسقاطها المرحوم!
وبالنتيجة تبين بعد ذوبان «ثلج» حزيران أن النتائج كانت كارثية، حيث «تمخض الجبل فولد فأرا»، وأسفرت الحرب عن احتلال اسرائيل «صحراء سيناء على اتساعها، بالاضافة الى الضفة الغربية وهضبة الجولان السورية"!
ومنذ ذلك الوقت حدثت مستجدات هائلة في المشهد الاعلامي، سواء ما يتعلق بالصحافة الورقية أو الانتشار الواسع لقنوات فضائية، ممولة من دول وجهات استثمارية مختلفة، وأصبحت كل قناة تغني وفق توجهات الممول، وذلك يعني ببساطة الافتقار الى المهنية الى حد كبير بعيدا عن حرية الاعلام الحقيقية، وحدث تطور دراماتيكي بعد ثورة الانترنت، وما نتج عنها من انتشار واسع لوسائل التواصل الاجتماعي، وقد أتاحت هذه الوسائل أو ما يسمى «الاعلام الجديد» فضاء واسعا بلا سقوف للنشر، وأصبح كل يغني على ليلاه!
ويستطيع المراقب أن يرصد كما هائلا، من المنشورات والفيديوهات التي تغرق بها هذه الوسائل، ونسبة كبيرة منها بلا ضوابط وليس لها علاقة بالمهنية الاعلامية، وغالبية من يكتبون المنشورات أو يبثون الفيديوهات، يزعمون أنهم يقولون حقائق ويستندون الى معلومات مؤكدة، رغم أنه لا يوجد رقيب أو حسيب على ما يقولونه، بل ثمة تناقض كبير يمكن ملاحظته فيما يقولون، وكثير من «الثرثرة» التي يتم كتابتها أو بثها من خلال قناة اليوتيوب أو المنصات الأخرى، لا تخضع لمعايير مهنية كما يحدث في الصحف الورقية، حيث يتم التأكد من مصدر الخبر، ويتم اخضاع المقالات والتحليلات للتمحيص، وكذلك يحدث في غرف الأخبار داخل القنوات الفضائية!
لكن الانفلات من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، يعكس حالة فوضى غير مسبوقة في تاريخ الاعلام، رغم أنه يوفر فرصة للكثيرين للتعبير عن آرائهم ومشاركتهم بصورة ما في نقد الحكومات، والتفاعل بصورة ما في الحياة العامة، لكن الكثير مما يقال ويبث غالبا ما يعكس كلاما مؤسسا على رغبات شخصية ومواقف مسبقة، وليس له علاقة بالتحليل الموضوعي، بل ثمة الكثير من الثرثرة يحاول أصحابها تسويقها، ويدعون أنهم يحتكرون الحقيقة ويستندون على وثائق، ورغم وجود نسبة وعي كبيرة لدى المتابعين، لكن الكثير مما يتم قوله ينطلي على نسبة كبيرة من الجهلاء والمغفلين والأميين سياسيا، واستطيع ذكر نماذج كثيرة على ذلك وبالأسماء!
لا شك أن للاعلام بمختلف مكوناته سواء كان «صحفا ورقية، قنوات فضائية، مواقع الكترونية، أو منصات وسائل التواصل الاجتماعي» دوراً أساسياً في الحياة العامة، لجهة نقل المعلومات وتحليلها وتسهيل هضمها من قبل الجمهور، ولعل أخطر دور للإعلام يكون خلال الحروب، وكما يقال «للقلم والبندقية فوهة واحدة»، وأكبر دليل على ذلك ما يحدث حاليا من تغطيات وتحليلات للحرب على غزة ولبنان!
ان هذه الحالة الفوضوية التي وفرتها منصات التواصل الاجتماعي، بحاجة لا أقول الى رقابة أو عقوبات، لكن المطلوب من الجمهور المتلقي التمحيص وفحص ما ينشر، أو يبث بعين ثاقبة وفرز الغث من السمين، لكي لا يهيمن «اعلام الجعجعة» على المشهد ويصبح مرجعية للكثير من الناس، وذلك يتطلب من وسائل الاعلام الرزينة تطوير أدواتها المهنية، ورفع سقف حرية النشر وفق القانون.