د. أحمد بطّاح
بعد العديد من المحاولات الفاشلة التي قامت بها إدارة الرئيس الأميركي «بايدن» لعقد صفقة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية والتي تخلّلتها أكثر من تسع زيارات لوزير الخارجية الأميركية «بلينكن»، وأكثر من أربع زيارات لرئيس المخابرات المركزية الأميركية (CIA) «بيرنز» يتساءَل المحلل الموضوعي: لماذا تبدو الإدارة الأميركية -على ما لها من نفوذ- عاجزة عن عقد هذه الصفقة المُشار إليها آنفاً وبخاصة أنّ هذه الإدارة لا تريد استمرار الحرب في غزة لأسباب كثيرة أصبحت معروفة؟
إنّ هنالك في الواقع جملة أسباب وراء هذا العجز والشلل من قبل الإدارة الأميركية الحالية ولعلّ أهمها:
أولاً: ضعف شخصية الرئيس بايدن وعدم قدرته على لعب ما لديه من أوراق بقوة وحسم حسب ما تقوله معظم المصادر الموثوقة التي تعرفه جيداً، ويُضاف إلى ذلك بالطبع «صهيونيته» التي يتفاخر بها والتي تَحُول في الواقع دون اتخاذه لقرارات قوية ضدّ إسرائيل ورئيس وزرائها نتنياهو الذي يجاهر باختلافه مع إدارة بايدن غير عابئ بردود فعل هذه الإدارة، والحقيقة أنّ «بايدن» قد يكون اتخذ بعض الخطوات ضد إسرائيل من قبيل الضغط كوقف تصدير القنابل التي تزن أكثر من 2000 رطل، ولكن المؤكد أنّ «بايدن» لم يوافق يوماً على حجب الأسلحة المهمة والثقيلة عن إسرائيل من قبيل الضغط عليها، وذلك بحجة أنها تدافع عن نفسها.
ثانياً: الانتخابات الأميركية الحالية التي ستجري في 05/11/2024 حيث تتواجه «هاريس» نائبة الرئيس بايدن ومرشحة الحزب الديمقراطي مع «ترامب» الرئيس السابق ومرشح الحزب الجمهوري، فبايدن ونائبته يحاولان في هذه المعركة الانتخابية المريرة كسب الأصوات العربية والمسلمة وبخاصة في الولايات المتأرجحة (swing states) -وهي سبع ولايات مهمة وللصوت العربي والمسلم في بعضها مثل ولاية «ميتشغان» دور مهم في إنجاح أحد المرشحين كما حدث في انتخابات 2020-، كما يحاولان في نفس الوقت عدم خسارة أصوات اليهود الذين يصوتون تقليدياً مع الحزب الديمقراطي (أكثر من 70% في العادة)، كما يحاولان تجنب ضغوط بعض «لوبيات» اليهود النافذة في الولايات المتحدة مثل لوبي الأيباك (AIPAC) المشهور بتأثيره وبالذات على «الكونغرس»، ومحطات الإعلام، والأكاديميا.
ثالثاً: الكونغرس الأميركي بمجلسيه: النواب والشيوخ حيث يقف بقوة وراء إسرائيل وبما يتجاوز مواقف الرؤساء الأميركيين في العادة، وقد لاحظنا كيف أن الكونغرس استقبل نتنياهو في زيارته الأخيرة للولايات المتحدة استقبال الأبطال، وكيف أن كثيرين من المشرعين صفقوا له وقوفًا، ولذا فإنّ من الطبيعي أن تحسِب إدارة «بايدن» حسابا لهذا الموقف في معرض تعاملها مع حكومة نتنياهو حتى وهي ليست راضية عن تعنتها في قضية الصفقة، وبل عن قضايا أخرى كثيرة كقضية المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، وعنف المستوطنين في الضفة الغربية. وكمسؤول عن تخصيص الأموال فقد لاحظنا أنّ الكونغرس الأميركي لم يكن يبخل في منح «مليارات» الدولارات لدعم إسرائيل في معركتها الجارية الآن ضد المقاومة الفلسطينية وهذا فضلاً عن رغبته في دعم إسرائيل بغير حدود عسكرياً.
رابعاً: نجاح نتنياهو في التعامل مع الإدارة الأميركية، وغني عن القول في هذا السياق أنّ نتنياهو وُلد في الولايات المتحدة وتعلم فيها حيث تخرج في (MIT) وهو يُتقن اللغة الإنجليزية اتقاناً تاماً، كما عمل في مجال الإعلام وفي البعثة الإسرائيلية في الأمم المتحدة، الأمر الذي أهّله لفهم «ديناميات» عمل المؤسسات الأميركية وبالذات الادارة (administration)، والكونغرس (Congress) كما مكّنه من إدراك حقيقة أنّ السياسة الأمريكية لا يصنعها الرئيس وحده على أهمية دوره وإنما يصنعها «الكونغرس» أيضاً فضلاً عن مجلس القضاء الأعلى (Supreme Court) وعدد غير محدود من اللوبيات (Lobies) ومنظمات المجتمع المدن.(Ngos) لقد بدا واضحاً تماماً أنّ نتنياهو لا يرضخ لضغوط إدارة الرئيس «بايدن» بل يقاومها وفي أحيان كثيرة يتجاهلها وكل ذلك بسبب استناده إلى قوى معينة نافذة تسانده من داخل الولايات المتحدة وبالذات «الكونغرس».
خامساً: ضعف الضغط العربي والإسلامي المُمارس على إدارة «بايدن» فالإدارة الأميركية تبدو وكأنها لا تحسب حساباً لكل الضغوط التي قد تأتي من الدول العربية والإسلامية لأنها تدرك أنها ضعيفة، وغير جدية، ولا تتجاوز الأقوال إلى الأفعال. ومن الجدير بالذكر أنّ للولايات المتحدة مصالح هائلة في الدول العربية والإسلامية تتمثل في قواعد عسكرية، وعلاقات اقتصادية، ومواقف سياسية مطلوبة في الأزمات الدولية كالحرب الروسية الأوكرانية، وقضايا بحر الصين الجنوبي، ولكن إدارة «بايدن» تُدرك أنّ هذه الدول (العربية والإسلامية بشكل عام) ليست في وارد استخدام هذه المصالح للتأثير على مجريات السياسة الأميركية وتوجيهها بحيث لا تكون بالضد من بعض القضايا العربية والإسلامية العادلة كالقضية الفلسطينية.