نشهد مع مواسم التخرج والنجاح والزواج وحتى الترح والوفاة، مظاهر من الإسراف والتبذير والازعاج والاعتداء على حرية الاخرين والعديد من سلوكيات الاهتمام بالمظاهر والتباهي والتفاخر.
الحق مشروع لإظهار الفرح واشاعة السعادة والتعبير عن العواطف والمشاعر، ولكن الواقع يشير إلى التكلفة التي يتحملها الجميع ليس المادية وحسب ولكن المعنوية كذلك حين ترتفع مكبرات الصوت في الاحياء السكنية واغلاق بعض الشوارع الفرعية والعديد من الأمثلة للمظاهر الاجتماعية التي تعكر صفو العموم وتقلق راحة الجميع وتحرمهم من الهدوء.
«لا تقتلني بفرحك»، مبادرة طيبة ومثال حي وتجاوب على مضمون ما ندعو له ونطالب بترشيد المظاهر والاهتمام بجوهر الشعور الحقيقي تجاه المناسبة السعيدة وكذلك الحزينة دون بهرجة وتكلفة تذهب سدى.
أمثلة لمظاهر مبالغ فيها يمكن الإشارة إليها لتخرج طالب من المدرسة الابتدائية والثانوية والجامعة والحفلات الضخمة لحدث يمكن ترشيده بادخال الفرحة على فئات محتاجة لذلك وللعموم حتى يفرحوا بدل اللعنة على أهل الفرح وازعاجهم واعتدائهم على حرية الأخرين.
أعجبني العديد من العقلاء عندما أوصوا بالعزاء على المقبرة فقط واقتصار مظاهر التعزية حسب السنة الشريفة، وأعجبني في هذا المقام إعتماد الغاء تقديم الطعام أثناء العزاء إلا لأهل الفقيد وإقتصار العزاء على يوم واحد، ليس من باب التخفيف ولكن لمضمون الاهتمام بالجوهر وليس المظهر وبالطبع الامتثال للدين الحنيف.
ما الذي يمنع من التعبير عن الفرح ببساطة وهدوء وإنسجام ؟ وما هي عواقب جميع المظاهر بعد انتهاء الاحتفال ؟ وهل نعي بحق معنى البركة في مظاهرنا المغلفة بالسعادة والصبر وفي المناسبات الاجتماعية ؟
نشير إلى مبادرة سمو ولي العهد بحث جميع من يرغب بالتهنئة بمناسبة قدوم الأميرة الهاشمية إيمان بالتبرع إلى صندوق الايتام، وتلك إشارة واضحة من سمو الأمير الهاشمي إلى ضرورة الاهتمام بالجوهر والتعبير المناسب لمشاعر الغبطة والسرور.
ونشير أيضا إلى العديد من الوثائق الشعبية التي دعت إلى ترشيد المظاهر الاجتماعية وابراز الشعور الحقيقي سواء المناسبات والابتعاد عن الإسراف والتبذير من منطلق ديني وأخلاقي وتجسيدا للتكافل والتعاضد بين أبناء المجتمع الواحد؛ لا بد من استمرار تطبيق تلك الوثائق لاشاعة البهجة والسرور في النفوس دون ايذاء وضرر.
مواكب التخرج والنجاح والزفة ليست من علامات الفرح، بل هي من علامات الازعاج والقلق والتوتر وإعاقة السير والحركة ومجال للمشاحنة والعراك والحوادث، وعلى الرغم من إجراءات دائرة السير وحرصها على تطبيق القانون في مثل تلك المظاهر، إلا أن بعض الفئات تحرص على قلب الفرح إلى مناسبة للفوضى والاستهتار وإثارة المشاكل.
بالمقابل نشير إلى بعض الأمثلة الطيبة للتعبير عن الفرح برقي وبساطة وعدد معقول من المدعوين والاحتفال بعقلانية وهدوء وكذلك تجربة بعض حالات العزاء واستذكار الموت والترحم على الميت والتدبر في رحلة الحياة دون مبالغة وإرهاق.
ترشيد المظاهر ليس للظروف التي نعيش وحسب ولكن أيضا للقناعة بضرورة غرس قيم الخير والاقتصاد والتعاون والمناصرة وتلبية متطلبات الواقع بما ينسجم والدين الحنيف ويرضي الله.
المحك في تطبيق ما ندعو إليه ونطالب هو في ترشيد الاهتمام بالمظاهر والتي تذهب هباء بعد الاحتفال، ولا يبقى سوى الجوهر والذي يمكن تعزيزه بالتبرع والمساعدة والمشاركة والمساهمة وأوجه الخير كثيرة في هذا المجال.
بارك الله لمن عنده مناسبة فرح، وعظم أجر من فقد عزيزا، تلك هي الحياة ذكريات وعبر تستحق أن نعيشها بعظة وتدبر عميق ورشيد.
[email protected]