يبقى السودان تاريخا مليئا بالصراعات والتحولات، وذاكرة تائهة في عالم مشغول، تصارع السودان حروب متعددة وصراعات مستمرة، وسط اهتمام العالم بقضايا أخرى، مما يجعل ذاكرتها متلاشية في عالم مليء بالانشغالات.
حروب السودان بين مطرقة الصراعات وسندان الإبادة الجماعية، تمثل صفحات معقدة مليئة بالتحولات والمعاناة، منذ استقلالها في عام 1956، شهدت البلاد صراعات متعددة وانقلابات متكررة، حيث شنت الحكومات السودانية حروبا ضد المتمردين في أطراف البلاد، إلا أن انتشار القتال لم يصل إلى قلب البلاد حتى الانقلاب الأخير في عام 2019 في العاصمة الخرطوم، اشتعل الصراع في أبريل 2023 بين قادة القوات المسلحة والدعم السريع حول دمج قواتهما في الجيش، وجد القادة أنفسهما في مواجهة متوترة بعد حل الحكومة المدنية في انقلاب 2021.
الحرب في السودان ليست كحرب روسيا على أوكرانيا، وليست كعدوان إسرائيل على فلسطين، ففي أوكرانيا، هناك صراع مباشر بين قوتين متنافستين على القوة والنفوذ، أما في السودان، فنحن أمام حرب أهلية معقدة، حيث يقاتل أهل السودان بعضهم البعض، سواء كانوا من طوائف مختلفة أو جماعات عقائدية متناحرة، هذا النزاع ليس مجرد صراع على السلطة، بل هو نزاع ممتد يغذي العصبيات ويهدد الكيان الاجتماعي، وفي فلسطين، تحاول إسرائيل فرض وجودها من خلال إلغاء ومحو الوجود الفلسطيني، متخذة من السلاح والدمار وسيلة لتحقيق أهدافها، بالمقابل، يشهد الصر?ع في السودان تناحرًا بين جماعات سودانية مختلفة، دون أن يكون لأي منها شرعية كاملة.
هذه الحرب تعكس أزمات عميقة ومتجذرة في بنية المجتمع السوداني، ومن الصعب تصنيفها كصراع بين كيانات واضحة المعالم، ومع ذلك فإن هذا النزاع المدمر يهدد استقرار البلاد، التي تعد من أكبر بلدان القارة الأفريقية من حيث المساحة والموقع الجغرافي.
مع تصاعد التوتر على طول الحدود الفاصلة بين الشرق والغرب، تزداد التحديات التي يواجهها شعب السودان، فكل تقدم لقوات الدعم السريع يُعقّد الوضع الإنساني ويؤدي إلى انهيار الخدمات الحكومية، مما يترك المناطق خارج نطاق السيطرة تحت وطأة الفوضى والعنف، ومع تصاعد الصراعات بين الجماعات المسلحة، يتزايد القلق بشأن استمرارية الأمن والاستقرار في المنطقة.
في الشرق، تشتد المواجهات بين مختلف الفصائل المسلحة وقوات الدعم السريع، مما يعزز من التوترات ويجعل الوضع أكثر تعقيداً وخطورة، ومع تورط المزيد من الجماعات في الصراعات، يصعب على الحكومة السودانية السيطرة على الوضع، مما يعرقل الجهود الدولية لإيجاد حلول دائمة وسلمية للأزمة.
الاضواء الخافتة على السودان والعالم بمجتمعه الدولي وقوانينه الانسانية، يتجاهل معاناة المدنيين الذين يتعرضون للسلب والنهب والاغتصاب والفقر والجوع، يعاني السكان مأساة انسانية من نقص حاد في الموارد الأساسية، مما يضطرهم للاعتماد على سبل بديلة للبقاء على قيد الحياة، تثير هذه الأزمة مخاوف من تكرار المأساة التي شهدتها دارفور في الماضي.
مع استمرار التصعيد العسكري وغياب الاستجابة الدولية الفعالة، يتزايد خطر تفاقم الوضع في السودان وتحوله إلى دولة منكوبة، مما يستوجب تكثيف الجهود الدولية لمنع تدهور الأوضاع الإنسانية في البلاد.
بعد مرور 18 عامًا على انتهاء النزاع في دارفور عام 2006، يجد السودان نفسه مجددًا في غمرة الصراعات الداخلية، إلا أن هذه المرة الصراع يتخذ طابعًا بالوكالة ويتسم بالدبلوماسية الباهتة ومحاولات تسوية النزاعات الإقليمية داخل أراضي السودان.
وفي الوقت نفسه، بقيت الجهود الدبلوماسية لإنهاء القتال خجولة، ركزت جولتان من المحادثات في جدة، الأولى من مايو إلى يونيو والثانية من أكتوبر إلى نوفمبر، على تحقيق وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية محددة زمنياً، لكنها لم تحقق تقدماً يذكر، ووسط الإحباط الواسع النطاق، حاولت هيئة إقليمية الجمع بين الجانبين في ديسمبر/كانون الأول، وبدعم من بعض الدول، باءت هذه الجهود بالفشل بحلول يناير/كانون الثاني.
على الرغم من التوقعات القائمة للمناطق المنكوبة بالحرب، يظهر بعض التقدم في توفير المكونات الضرورية لدفعة دولية حازمة ومنسقة لوقف إطلاق النار، وإن كان ذلك يأتي بعد فوات الأوان.
هل يمكن أن تلعب الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي دورًا أكبر في تسوية الصراعات الداخلية في السودان؟.