يحتفل العالم في السابع عشر من أيار من كل عام باليوم العالمي لارتفاع ضغط الدم لزيادة الوعي بهذا المرض الذي يعرف أيضا «بالقاتل الصامت»، لكونه أحد أبرز أسباب الوفاة المبكرة والإعاقة، ولكونه لا يوحي بأية أعراض مميزة أو خاصة به، في الغالب.
وبخلاف «صمته» في الأعراض إلا أنه جلي وواضح في أحدث الإحصاءات الصحية. فوفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن 1.3 مليار شخص على مستوى العالم ممن تتراوح أعمارهم بين 30 و79 عامًا يعانون من ارتفاع ضغط الدم. وضمن هذا العدد المهول من المصابين، فإن أقل من النصف فقط (42٪) يتم تشخيصهم بالمرض ويتلقون العلاج، في حين أن حوالي 21٪ من هذه الحالات تكون تحت السيطرة الفعالة. على المستوى المحلى.
يشهد الأردن ارتفاعا مماثلا في معدل انتشار ضغط الدم، حيث تشير أحدث الدراسات المحلية إلى أن حوالي 30٪ من البالغين الأردنيين يعانون من هذا المرض وأن معدل انتشاره يبلغ 22٪. ومما يثير القلق أن نصف هؤلاء المصابين (47.8٪) لا يتلقون العلاج اللازم.
يشكل الانتشار المتزايد لارتفاع ضغط الدم تحديًا كبيرًا لأنظمة الرعاية الصحية لدول عديدة، بما فيها الأردن. إذ يؤدي ارتفاع ضغط الدم غير المنضبط إلى مضاعفات خطيرة مثل أمراض القلب، والسكتات الدماغية، والفشل الكلوي، وغيرها التي قد تؤدي إلى الوفاة المبكرة. ولهذه المضاعفات أثر يتعدى الجانب الصحي ليمتد مشكلا عبئًا اقتصاديًا كبيرًا نتيجة لتكاليف إدارة الحالات المزمنة الناجمة عن ارتفاع ضغط الدم، مما يؤدي بدوره إلى إجهاد موارد الرعاية الصحية بشكل كبير، وإثقالها بمزيد من التحديات في توفير الرعاية اللازمة لمنتفعيها.
وبالنظر إلى هذه الأرقام العالمية والمحلية، تتجلى الحاجة الملحة لتطوير وتطبيق استراتيجيات فعّالة للوقاية والتشخيص وإدارة علاج ارتفاع ضغط الدم من خلال تمهيد الطريق لتنفيذ تدخلات وإجراءات تستهدف التقليل والحد من عوامل الخطر القابلة للتعديل، والتي يمكن أن تخفض ضغط الدم وتمنع تطور ارتفاعه. فعلى سبيل المثال يجب أن تتضمن الاستراتيجيات محاور مهمة كسبل تعزيز الوعي الصحي، واتاحة واستدامة الرعاية الطبية، وتشجيع النشاط البدني المنتظم وتبني أنظمة غذائية صحية غنية بالفواكه والخضروات وقليلة الملح. وفي اطار متصل، لابد من ?لتركيز على تعزيز السياسات العامة التي تقلل من التلوث البيئي وتوفر بيئات معيشية صحية. فبهذه الجهود المتكاملة، يمكن تحقيق تحسن ملموس في معدلات السيطرة على ارتفاع ضغط الدم، مما شأنه تخفيف حدة العبء الصحي والاقتصادي المرتبط بهذا «القاتل الصامت».
لقد قطع الأردن شوطا متقدما في تحري هذا المرض في مراحله الأولية وذلك باتباع سياسة ضرورة قياس الضغط عند زيارة المرافق الصحية بكافة مستوياتها. بالإضافة إلى ذلك، يضمن الأردن الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية ذات الجودة الجيدة وبأسعار معقولة لتشخيص وعلاج وإدارة ارتفاع ضغط الدم. كما ينفذ الأردن برامج فحص ضغط الدم على نطاق واسع لتحديد الأفراد المصابين مبكرًا لتوفير التدخل المناسب لهم. كما تم تبني استراتيجيات تسعى إلى تعزيز أنمط حياة صحية، وزيادة الوعي حول أهمية مراقبة ضغط الدم وإدارته، ومن ضمنها تنفيذ حزمة وبروتوكو?ات فنية لمعالجة أمراض القلب والأوعية الدموية في مراكز الرعاية الصحية الأولية والتي أظهرت دراسات ميدانية نجاعتها في إحداث تحسن كبير في السيطرة على ارتفاع ضغط الدم عند مرضاه.
وفي مواجهة «القاتل الصامت» علينا توخي المزيد من الحذر فما زال من الضروري أيضًا تنفيذ سياسات تعزز التشريعات التي من شأنها خلق بيئة صحية، مثل الحد من تناول الملح في الأطعمة المصنعة وزيادة الوصول إلى خيارات الأغذية الطازجة والصحية، والاستثمار في البحوث لزيادة فهم أسباب ارتفاع ضغط الدم وتطوير علاجات واستراتيجيات وقائية أكثر فعالية. وعلينا بالجهود المتكاملة لتحسين إدارة ارتفاع ضغط الدم والحد من مضاعفاته لتحسين صحة الأفراد وتخفيف العبء الاقتصادي على أنظمة الرعاية الصحية.