ها هي الأيام تمرّ سراعا، ويدخل علينا أيامُ العيد، فيلزمنا أن نتعرّضَ لنور مشكاة النبوّة، لنتعرّف كيف كان سيدُ محمد رسول الرحمة صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يستقبل العيدَ، فها هو أبو بكر يدخل على بيت النبوة وابنته عائشة تغني مع جاريتين من صويحباتها، غناءً لا نهيَ فيه، لقولها: "وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ". أي: أنهما لا يمتهنان الغناء، ومع ذلك احتدّ أبو بكر رضي الله عنه، ليأتي القول الفصل، الذي أصبح دستورا لهذه الأمة، أي: قَولُ رَسُولِ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا أَبَا بَكْرٍ، إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا".
فهل تنبهنا في هذه الأيام لإدخال الفرحة على صغارنا، خصوصا أننا في أيام يعتورها شيءٌ من الألم على أهلنا في فلسطين، وغيرها من بلاد العرب والمسلمين، إلا أنّ الأمر يتطلب منا عمل توازن في المعادلة، فهذا العيد يبني بفرحته رؤية الحياة في عيون الصغار أكثر من غيرهم، فيلزمنا إشعارهم بالفرحة، ليكون البناء متماسكا، وهو أمل المستقبل ليدوم الوطن وتدوم الأمة في تمام العطاء والهمة والعزيمة.
نافذة على المجتمع
موائد الرحمن.. في بلد الأمن والأمان
يتنافسُ المسلمون كلَّ عام في تقديم وجبات الإفطار للناس عموما وللأقارب خصوصًا، والدعوات لتناول الإفطار لا تكاد تنحصر في بلبد دون بلد، حتى في غير بلاد المسلمين أصبح في الآونة الأخيرة دعوات لمشاركة المسلمين في إفطارهم، مع بعض التجارب في مشاركتهم في صيامهم، ومن تنبه لهذا الأمر الجليل وجده بعد مبادرة جلالة الملك عبدالله الثاني في الوئام بين الأديان، والوئام بمعناه الحقيقي ينسجم مع ثوابت دين الإسلام والحفاظ على تلك الثوابت، مع إعطاء الصورة النقية عن هذا الدين الحنيف.
كما أنّ موائد الرحمن في الأردنّ، أصبحت ميزة للشهر المبارك، فهناك المبادرات الإنسانية، والجمعيات الخيرية، وجهود القائمين على المساجد، كلّ ذلك وغيره يتمّ استقبال التبرعات لعمل موائد الرحمن في كلّ ركن من أركان هذا الوطن حتى إننا لا ننسى فقيرا ولا يتيما ولا عاملا ولا طالبًا ولا وافدًا ولا حتّى الأغنياء وأصحاب الوجاهات فلكلّ واحد منهم له دعوة لموائد الرحمن، فيجتمعون اجتماع الخير في شهر الخير، ليكون دلالة على الكرم والجود العطاء ضمن منافسة جليلة بينهم.
ومن المظاهر الجليلة التي نراها في بلدنا المبارك تفطير الصائمين على الطرقات الخارجية من قبل رجال الأمن، حتى إنه يتم أحيانا إيقاف للسيارات لحظة الإفطار ليتناولوا وجبة الإفطار ضيوفا على هذه المفرزة أو تلك.
ومن خلال تجربتي الشخصية مع مبادرة الخير في بلد الخير، فإنّ هذه الموائد تستحقّ الاحترام والتقدير، وأمّا الأجر والاحتساب فهو عند الله تعالى على باب الرّين يوم دخول الجنان.. اللهمّ لا تحرم أصحاب موائد الرحمن دخول الجنان، واجعلهم من أهل الرضا والرضوان.
الإسلام والتطور بمعانيه السامية (3/4)
بقلم: د. أحمد سمير
السفير الأممي للشراكة المجتمعية، رئيس مؤسسة الحياة المتزنة العالمية
إِنّ خَلق الإنسان والكون يعتمد على النظام والاتزان، فكلّ عضو داخل جسم الإنسان لا يخرج عن هذا النظام الدقيق، فلا تتوقف الأعضاء الداخلية عن أداء وظيفتها لرغبة شخصية أو لملل يشعر به وكذلك الكون من حولنا، فلا يتوقف دوران الأرض حول الشمس.
كما تشير المؤشرات التي لا أجد فيها مجال للشك على أننا المسئولون بشكل كامل عن حالة التوازن والسير في منظومة الكون، كما يريدها الخالق عز وجل.
فلابد أن نترك الأنا المسيطرة علينا، من شهوات ورغبات ونزوات، ونفهم ما هي أدوارنا في الحياة بشكل صحيح، وما لنا فنأخذه وما علينا فنؤديه، ليكون العدل ميزان التعامل بيننا.
وقد رصد الباحثون عدة عوامل موضوعية محددة تساعد في الوصول لحالة التوازن التي نتطلع إليها، في حياة الفرد والأمم، منها:
1 – الاهتمام بالجوانب الدينية والروحية، ورؤية الحياة في الدنيا كجزء من حياة أطول وأعمق تمتد للآخرة.
2 – الصحة البدنية: ويتصل بها السلامة من الأمراض، والتغذية الصحية، وأخذ فترات كافية من الراحة والنوم، وممارسة الرياضة البدنية بشكل منتظم.
3 – الاستقرار الأسري، حيث تمنح الأسرة القائمة على السكن والمودة والرحمة رصيداً هائلا من مشاعر الراحة والأمان والسلام النفسي.
4 – تجنب الضغوط غير الضرورية، وذلك بتجنب الصراعات والنزاعات غير الضرورية
5-- الاقتصاد في الإنفاق وتفادي الشراهة الاستهلاكية، وكبح جماح الرغبات والشهوات.
6 – اكتساب مهارات حل المشكلات إذ لا تخلو الحياة من مشكلات وأزمات.
7 – الصحبة الصالحة: وهي آلية نفسية نجري من خلالها عملية تفريغ الشحنات الانفعالات السلبية كالغضب والقلق والحزن والخوف والغيرة من خلال الحديث مع أشخاص نحبهم ونثق فيهم.
8 – الترويح باللعب: أو التنزه، أو الفكاهة، أو السفر أو أي وسائل ترويحية وترفيهية أخرى، وذلك لخلق حالة توازن بين ملطفات الحياة ومنغصاتها.
9 – تهيئة النفس والاستعداد للطوارئ، فالحياة مليئة بعوامل الاضطراب وعلينا أن نتوقع هذا حتى لا نفاجأ أو نصدم حين تسير الأمور حسب ما لا نريد في بعض الأوقات.
10 – الاستثمار في العلاقات الإنسانية، فالعلاقات السوية تمنحنا القدرة على مواجهة صعوبات الحياة وتمنحنا الشعور بالقيمة والطمأنينة.
11 – الاستقرار المهني في عمل نحبه ونقدره نحقق فيه ذاتنا.
12 – التدريب على الثبات والتوازن في مواجهة أحداث الحياة فقد ثبت أنه أثناء الانفعال وفقدان التوازن يختل التفكير المنطقي بنسبة 70% (إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم)
وأخيرا وليس آخرا الإيمان بالله خالق هذا الكون والمنعم علينا فقد قال الله عز وجل «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» والتمسك بما جاء به رسول الله صلي الله عليه وسلم وهو الحق فقد قال الله عز وجل (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا).
د. رائف غنيمات
عضو رابطة علماء الأردنّ
من نور القرآن
قَال اللهُ تَعَالَى: «وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ» سورة الحج: 3.
لقد أمرَنا القرآن الكريم بالتفكر والسؤال والبحث عن طريق السلامة في القول، وذلك له أثر في سلوك الفرد وبناء المجتمع على بصيرة من نور، وبعيدًا عن الجهل واتباع وسوسات الشيطان، ومن تمام العلاج جاء التحذيرُ من أن يسلكَ الإنسان طريق المجادلة وقد يكون مدّعيًا التماسَه الحقّ، وقد يكون طالبًا للحقّ فعلا، ولكنّه سلك طريق المجادلة في البحث عنه، فبدلا من أن يكون السؤال وانتظار الإجابة الصحيحة هي الطريق عنده، نجد البعض يأبى إلا المجادلة التي تنبني على: "المناظرة بعنف" ولها تعريف آخر: "مناقشة تتميَّز بالتَّعبير عن آراء متناقِضَة".
والنقاش الذي يفضي إلى بين الحقّ حقّ، وأما الذي يفضي إلى النزاع واخترط الحابل بالنابل وفقدان الحقّ فهو باطل، وقد قال أحد العلماء في تفسير هذه الآية: (المجادلة لله- مع أعداء الحق وجاحدى الدّين- من موجبات القربة، والمجادلة في الله، والمماراة مع أوليائه، والإصرار على الباطل بعد ظهور الدلائل من أمارات الشقوة، وما كان بوساوس الشيطان ونزغاته فقصاراه النار).
ولأجل الدخول في توفيق الله تعالى، والتماس البصيرة بنور القرآن، لا بدّ أن نكون في أدبٍ مع الوحيين، في قراءتهما والسؤال عما يلتبس علينا، قالسؤال طرقٌ لباب العلم والمعرفة، وحتى لا يكون أحدنا متبعًا لهواه، أو لكلّ شيطان مريد لهلاك إنسان ما بجعل أذنيه صمما عن الحقّ.
فالعيد فرحة بطاعة، ولا يحقّ لأحد منا أن يزرع البؤس والنّكد في طريق أحدٍ، وخصوصًا أبناءه وبناته وزوجته، بحُجّةٍ ليس عليها دليل، وما زالت هذه الأمة بحاجة لمن يجدد الفرحة في أجيالها ليحققوا عزًّا وفخرًا لهم ولأمتهم وللإنسانية.
هو الأردن..
د.محمدالزبن
على ثراه مشى أنبياء وصحابة وأولياء وقادة
وهو مبارك بنص القرآن وموطئ العلم والعلماء...
فأما سيفه فلا ينبو!! كيف وهو بلد الرباط من أكناف بيت المقدس..
وأما شمسه فلا تغيب!!
كيف وهي تذهب حيث المسرى والمعراج.
اللهم احفظ الأردن.. وعموم بلاد المسلمين.
دعاء
اللهمّ إنك عفوٌّ تحبّ العفو فاعفُ عنّا، اللهمّ اجعلنا ممن وفّق لقيام ليلة القدر إيمانا بك واحتسابا للأجر عندك، اللهمّ إنّا نسألك من الخير كله عاجِلِه وآجلِه ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجِلِه وآجلِه ما علمنا منه وما لم نعلم، ونسألك الجنة، وما قرَّب إليها مِن قولٍ وعملٍ، ونعوذ بك من النّار، وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل، ونسألك من خير ما سألك به عبدُك ورسولُك محمدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ونستعيذك مما استعاذك منه عبدُك ورسولك محمدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وإذا قضيت لنا أمرًا أن تجعل عاقبته رشداً برحمتك يا أرحم الراحمين..
اللهم كن مع أهلنا في فلسطين وغزّة، واشملهم بعفوك ورحمتك، وارفع البلاء عنهم، يا ربّ العالمين.. آمين
قيام ليلة القدر.. المعاني جليلة والذكريات الجميلة
لقد اشتهر في الأردنّ منذ أمد بعيد، القول عن ليلة السابع والعشرين: "ليلة القدر". ويأتي ذلك انسجاما مع قول بعض الصحابة، كاُبيّ بن كعب، ممن كان يجزم أن ليلة السابع والعشرين على التحديد أنها هي ليلة القدر، ومع أنّ الأقوال في ذلك متعددة، إلا أنّ المسلمين عموما يأملون وهم يقومون ليلة السابع والعشرين – وغيرها من ليالي العشر- أن يكونوا ممن وفِّق لليلة القدر، وأن يكون ثوابُهم العفو بعد المغفرة.
ومما قيل بسبب تسميتها بالقدر: (لأن الطاعات في هذه الليلة ذات عظمة وأجر وقيل: القدر هنا بمعنى القدر بفتح الدال الذي هو مؤاخي القضاء، والمعنى أنه يقدر فيها أحكام تلك السنة. لقوله تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم} [الدخان: 4]. وبه صدر النووي كلامه فقال: قال العلماء: سميت ليلة القدر لما يكتب فيها الملائكة من الأقدار والأرزاق والآجال التي تكون في تلك السنة، ومعناه يظهر للملائكة ما سيكون فيها، ويأمرهم بفعل ما هو من وظيفتهم).
ومع هذه العظمة يأتي القيام لليلة السابع والعشرين مختلطا بدموع الخشوع، والفرحة على إتمام قيامه، مع ذكريات جميلة، فما بين أن يكون قيامها في أحد المساجد الثلاث، يكون هناك ذكريات جميلة في كلّ مسجد من مساجد المسلمين، فيشعرون بالطمأنينة والسلام، الذي هو ميزة لتلك الليلة، والسلام يطلبه كلّ إنسانٍ، ومن هنا تكون الألفة والمودة والإيثار والكرم والسخاء وتقديم الغالي والنفسي خدمة للقائمين تلك الليلة، فتصنع تلك الصورة مشاعر إيمانية لا يعرفها إلا من عايشها، فالقلم يكلّ عن وصفها.
زكاة الفطر قوت أم نقود؟!!
إنّ الدّين الإسلاميّ يدعو للسماحة والرحمة، ولديه ثوابت وأسس وقواعد تؤكد على أنّ الخير مقصد كلّ الكلّيات والجزئيات في العبادات والأحكام، وأنّ الصّدق هو أساس الخبر الذي يأتينا النصّ من خلاله. كما أنّ العبادات تسير بالمسلم والمسلمة في طريق الإيمان والاطمئنان، بعيدا عن الاختلاف الذي يفضي إلى النزاع والشقاق.
ولأجل إيصال الخير إلى الأذهان، ولأجل بناء الإنسان على بصيرة، هيَّأ اللهُ تعالى، أهلَ العلم في كلّ زمان ومكان، وجعل لهم مكانتهم في تبيين حقائق هذا الدّين، وهو فضل من ربّ العالمين يؤتيه من يشاء.
زكاة الفطر.. قوت أم نقود؟. هذا السؤال جائز بكلّ معنى الكلمة، فالسؤال طلب للعلم، ولست بصدد الإجابة عليه، فالجواب أوضح مما يوضّح. ولكنني في صدد التنبيه من الإغراق في ميدان النزاع والخلاف بيننا، والأمر لا يحتاج ولا حتى إلى عُشر معشار النزاع الذي نجده أحيانا عند البعض، فعليك أخي في الإسلام أن تُقبل على طاعة الرحمن، وأن تأخذ بأيسر الأمور مما قال به الشرع، وأن لا نعترض على الآخرين إن لم يأخذوا بما أخذت، فكلّ ميسّر إليه رأيٌ، فما دام أنّ الرأي جاء من عند أهل العلم، وكان رأيا معتبرًا، فلا نزاع ولا شقاق.
فصدقة الفطر لتجبر نقصًا أو تعفو عن عمل اختلط بطاعة الصيام فيكفِّرُ اللهُ الخطايا عن الصائمين بصدقة الفطر، فليس لائقا أن تتحوّل صدقة الفطر إلى مأثم بيننا، وكلا الطرفين ينتقد الآخر لماذا لم يوافقه، في منظر لا نُحسد عليه.
وإذا نظرنا إلى حكم زكاة الفطر وأنها: إما قوت أو نقد، وأنه لا ثالث لهما، وأنّ حديث النبيّ صلى الله عليه وسلّم حدد مكيلها، وأنّ اجتهاد أمير المؤمنين عمر بن عبدالعزيز في جواز إخراجها نقدا قياسا على فعل معاذ في الزكاة المفروضة، وغير ذلك من المعطيات التي أتناولها هنا مع التأكيد على دعوة القراء الكرام إلى الأخذ بالأيسر لهم، وهو لبّ ما أنا في صدده، لا أنْ نرجع إلى نقطة الصفر دوما. فلننظر إلى أعماق هذا الدين الحنيف، وكيف به يبني أمة تقوم على فعل الخيرات لا غير، وتنبذ الخلاف بينها، وتقليص الفجوة إذا حضر الخلاف.