آخر مغادرات فيصل الفايز لمربع الصمت الذي يلتزم به معظم من يصنفون على أنهم رجال دولة كانت قبل أيام، عندما وجه رسائل متلفزة ناصحا بها جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس بالحفاظ على قوة الأردن لأنها قوة لفلسطين. مع تأكيدنا أن لجوء كل من يصنفون على أنهم رجال دولة وكذلك صمت النخب والأحزاب التي تصف نفسها بأنها أحزاب وطنية، وابتعاد هؤلاء جميعا عن الشارع وتركهم للرأي العام الأردني، هو الذي تركهما (الشارع والرأي العام الأردنيين) فريسة لقوى سياسية بعينها تعبث بهما وتحركهما كيفما تشاء، وتلقنهما ما تريد من شعارات، مستغلة لحظة انفعال عاطفية متعاطفة مع مايجري في قطاع غزة. وهذا خلل على الدولة أن تسعى لمعالجته.
قبل أن نعود إلى رسائل الفايز المتلفزة، فأننا نتمنى أن يكون الإخوان المسلمين قد استمعوا إليها، ففي «الجماعة» تيار لا يقرأ ولا يسمع لغيره، لأنه يعتقد أن كل من يخالفه الرأي سحيج مدفوع ومخبر.!!
نعود الآن إلى رسائل الفايز للإخوان المسلمين، وقبل الاستطراد في الحديث عنها وعن نصائحه لـ «الجماعة» ولحركة حماس، لابد من الإشارة إلى أن الفايز أبقى حبال التواصل ممدودة بينه وبين الإخوان المسلمين حتى في أشد مراحل توتر العلاقة بينهم وبين الحكومات الأردنية المتعاقبة، خاصة منذ ما سمي بالربيع العربي، ناصحا من جهة عاملا على تجسير الفجوة وترطيب الأجواء من جهة اخرى، وهو موقف يقدر لرجل بثقل ومكانة فيصل الفايز على المستووين الرسمي والشعبي، فالرجل شغل مواقع رئاسة التشريفات الملكية، ورئاسة الوزراء، ورئاسة الديوان الملكي الهاشمي العامر، ورئاسة مجلس النواب، وهو الآن رئيس مجلس الأعيان، هو شيخ واحدة من أكبر القبائل الأردنية، ويحظى بعلاقات متميزة مع غالبية المكونات السياسية والاجتماعية الاردنية، كونها من خلال تجواله المستمر في ربوع الوطن وحواراته مع ناسه، لذلك فان لكلمته وموقفه اثرا ومعنى، وصفة تمثيلية.
نعود الى رسائل الفايز المتلفزة، ونصائحه لجماعة الاخوان المسلمين، ولحركة حماس والتي عبر فيها عما يدور في خلد كل وطني اردني حر، فالتعبير عن تأييد فلسطين عموما وقطاع غزة على وجه الخصوص لا يكون بالاساءة للأردن وشتم رجال الأمن العام فيه، ونصرة فلسطين ليس مدخلها خلق الفوضى في الاردن. والسعي للتدخل في شؤونه الداخلية، ومحاولة فرض أحندات خارجية عليه، سواء كانت هذه الأحندات تهدف إلى خدمة مخططات مذهبية من حيث يدري من يحاول فرض هذه الأجندات على الأردن أو لا يدري، أو أن حاملي هذه الأجندات يحاولون تسديد فواتير لجهات اخرى على حساب الأردن، فالأردن لايرضى ان يسدد احد فواتيره على حسابه. مثلما لا تقبل الأغلبية الساحقة من الأردنيين أن تتدخل جهة خارجية في شؤونهم الداخلية، وتحريض بعضهم على بعضهم الآخر.
خلاصة القول في هذه القضية نتمنى أن يظل الإخوان المسلمين كما كانوا في عقود سابقة جزءا من عوامل الاستقرار في الأردن، وجزءا من نسيج وحدته الوطنية، وأن لا يتم استدراجهم إلى مربع المغالبة، فقد أثبتت التجارب أن الدولة الأردنية دولة قوية وراسخة. ولنتذكر جميعا الحكمة القائلة: «الشقي من اتعظ بنفسه والسعيد من اتعظ بغيره».