الخيال الشعري عند البدو إشراق الحياة وضاءة الفن، تتدفق فيه أمواج الزمن بالعزم وشدة وتنهزم به رياح الوجود وتتعاقب عليه ظلمات الكون، يستلهم ويستوحي يتدبر ويفكر فيحيا الشعر 'فن وخيال'.
كان موضوع قصائدهم انعكاس لضروف المعيشة وتقاليدهم وأعرافهم، الثقافة البدوية وثقت في أشعارهم من معان وحكم، فكان وسيلة لضبط الاجتماعي لتماسك البنيان، فكان القصيد رمز لتواصل والتفاهم والخطاب، رمز 'شيفرة' بين الأفراد.
احد الرجال مخاطب شاهر بن حديد:-
خلف ذا يا راكباً زين الذميل
شبه ربدٍ جفلوه من الفلاه
يا راكبه يا طارشي اصحا تعيل
لن قضب الدرب جده بالعصا
الطلب كثير والوارد قليل
ولا جلوبه والمساعر غالياه
فكان الشعر يشتعل خيالاً وحساً ويتألق جمالاً وفنَّا، فتخرج نشوة الشعر لان البدوي يعشق جميل السيل وفيض الكلام، يعشق السير في دياجير الظلام.
يقول نمر بن عدوان:-
قلبي برمني وابترم من خديني
برم البريم مسالع القطن للصوف
واركض وريقي قطنة ما تليني
واطا وكني واطيا فوق مرضوف
طقيتهم حد الكهف مقرشيني
وبدلت ركضي عقب الاهذال بوقوف
الادب في البادية اليوم ينحصر في ٣ ابواب فن القصة، فن القصيد، فن الحديث في المجالس، فن القصة ارتبط ارتباطا وثيقا بفن القصيد، و تكون بختامها الرائع، وحتى الشعر البدوي مشابه للشعر الجاهلي فتناول الفخر والمكانة والمغازي ورد الغزاة والمديح والرثاء والعتاب لكن استغنى عن موضوع الخمر واستعاض بالقهوة وطرق اعدادها ووصف الفناجيل.
يقول ابن غدير من بني حسن باحدى القصايد ويذكر عباس بن سهو الدعجة:-
نمنا وقمنا من مشاميل عوجان
والصبح يم القصر جيناك نومي
جينا على قصرٍ طويلٍ وديوان
حلو ظلاله عن لهيب السمومي
جينا على ريفِ الضعافين ابو حمدان
عباس فوق الراس ليته يدومي
كن صب فنجان من البن وأسقان
يامر على عذراه للمير قومي
البدوي كان خطابياً صميماً حاد المزاج صافي النفس، يقوم الشعر ويروض القوافي ينطلق لسانه وترسله قريحته عفواً بلا تعب.