العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، ورغم الهزيمة الساحقة العسكرية والاستخبارية والسياسية والاقتصادية التي لحقت به، فأن قادة هذا العدوان السياسيين والعسكريين لا يكفون عن عربدتهم وتهديداتهم التي تفصح عن نوايهم العدوانية التوسعية. التي كان وما زال للأردن نصيب الأسد منها، فقبل العدوان الأخير على غزة وحرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال على المدنيين العزل في قطاع غزة على وجه الخصوص، وعلى الأراضي المحتلة، على وجه العموم، والتي يحرضه على المزيد منها جهارا نهارا وعلى رؤوس الأشهاد ساسة إسرائيل وحاخاماتها، كان الكثيرون من هؤلاء الساسة في كل انتخابات إسرائيلية يضمنون برامجهم الانتخابية التي ينجحون على أساسها، والتي تؤكد المزاعم التي تقول أن الأردن جزء من أرض إسرائيل، علما بأن هذه البرامج هي ترجمة مضامين فعلية لما يسمى بنشيدهم الوطني الذي يقول أن للنهر ضفتين وأن الثانية لنا، والمقصود هو الضفة الشرقية، أي الأردن. وقد تصاعدت التهديدات للأردن في الأيام الأخيرة، وأثناء العدوان على قطاع غزة، فها هو بنت رئيس الوزراء السابق لكيان الاحتلال يهدد بتعطيش الأردنيين، بمنع الماء عنهم، وهاهو الوزير السابق للدفاع في كيان العدو ليبرمان يطالب بحشد القوات الإسرائيلية على الحدود مع الأردن، استعدادا لشن الحرب عليه، وهاهي الفيديوهات المسربة لخطب حاخاماتهم وضباطهم تحرض على الاستعداد لمهاجمة الدول المجاورة لفلسطين ومنها الأردن، بل وفي المقدمة الأردن، كما يصرحون بذلك.
والتمهيد للعدوان الإسرائيلي المرتقب على الأردن جار على ساق وقدم، ليس فقط من خلال تصريحات قادة العدو وتحريضهم على الأردن، بل من خلال تشويه صورة الأردن ومواقفه، بهدف ضعضعة جبهته الداخلية، وفي هذا المجال تضج مواقع التواصل الاجتماعي المشبوهة بالفيديوهات والتعليقات التي تصب في هدف تشويه مواقف الأردن وزعزعت جبهته الداخلية، دون أن يكون هناك حملة أردنية منظمة وجادة لمواجهة هذه الحرب الإلكترونية، التي تمهد للحرب العسكرية التي يجري تهديد الأردن بها.
ومثلما تفتقر إلى آلة إعلامية تصد الهجمة على الأردن مشوهت صورته، فإننا نلحظ انكفاء معظم أفراد الطبقة السياسية التي طفت على السطح في السنوات الأخيرة، واستفادت من خيراته، لكنها عند الجد التزمت الصمت، وكان المنتظر منها أن ترتفع إلى مستوى الموقف الملكي من العدوان الإسرائيلي، وأن تشكل روافع له، بعد أن ظلت لسنوات طويلة عبئا ثقيلا على الأردن قيادة وشعبا، وهذا يعني ضرورة العمل على بناء طبقة سياسية جديدة، قادرة على مواجهة التحديات القادمة، طبقة تنهي سياسة التكيف، وتنهي السياسة التي تصور الولايات المتحدة الأميركية على أنها قدر لا يرد، وهي بذلك تلغي صفحات مهمة من تاريخ الأردن الوطني، قال فيها الأردن (لا) كبيرة في وجه الولايات المتحدة الأميركية، في معركة حفر الباطن، و(لا) كبيرة في مواجهة صفة القرن، وخرج بها منتصرا حرا كريما. وهي (لاءات) أردنية أثبتت في كل مرة أن بعض الساسة لا وزن لهم في بلدنا ولا تأثير لهم على أناسه، وأنهم ليسوا أكثر من موظفين، وأن كلمة الحسم هي لالتفاف الناس حول قيادتهم.
لكل ما سبق ولحماية الأردن ليظل وطنا حرا سيدا، لابد من بناء قدراتنا الذاتية، سياسيا وإعلاميا وإقتصاديا، بالإضافة إلى عودة الجيش الشعبي، ليكون ظهيرا لقواتنا المسلحة وأجهزتنا الأمنية، وهذه أسس بناء الجبهة الداخلية القوية والمتماسكة، القادرة على مواجهة التهديدات.