باتفاق وقف إطلاق النار (مؤقتا قابل للتمديد) بين «حماس» وإسرائيل وتبادل دفعة من الرهائن والأسرى، بدأت الحرب الفلسطينية الإسرائيلية في غزة تضع أوزارها.
حرب غزة إنجازها الأكبر هو إعادة القضية الفلسطينية إلى رأس اهتمام المجتمع الدولي بعد ركنها جانبا لأكثر من عقدين من الزمن، بسبب التعنت الإسرائيلي والرفض بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود ١٩٦٧.
ما حققته المقاومة الفلسطينية في ٧/أكتوبر، هو أن العالم وإسرائيل ستأتي طائعة إلى طاولة الاعتراف للشعب الفلسطيني وحقوقه التاريخية ودولته المستقلة الحرة في فلسطين، التي لن يتنازل عنها مهما بلغت التضحيات.
قبل الحرب تنكرت إسرائيل لاتفاقية السلام مع السلطة الفلسطينية بعدة وسائل. وجردت السلطة الفلسطينية من الشرعية الشعبية الفلسطينية، وأضعفت كل مكوناتها بحيث لم تعد السلطة تحظى بأي تأييد ذو قيمة من عامة الفلسطينيين.
لقد تنكرت إسرائيل وحكوماتها المتطرفة لمبدأ حل الدولتين، وأصبح الحديث عن دولة مستقلة ذات سيادة عاصمتها القدس الشرقية امنية بعيدة المنال، حتى اصبحت الفكرة موضع استهتار من قبل القاده الاسرائيليين المتطرفين في حكومات التطرف، وان السلام العادل والدائم الذي يقاتل من اجله الملك عبدالله الثاني على كل الجبهات وتبنته المبادرات العربية والدولية ومبدأ حل الدولتين غير ممكن التحقيق.
وكان مشروع صفقة القرن للرئيس الأميركي السابق ترامب الضربة القاضية لمسيرة السلام لسبب رئيسي حذر منه ايضا جلالة الملك مرارا وتكرارا وهو عدم تجاوز الفلسطينيين في اي اتفاقيات سلام تسعى لتحقيقها الدولة العبرية.
حرب غزة صنعت صدمة عنيفة أفاقت القيادات الاسرائيلية السياسية والعسكرية الحالية والقادمة، والراي العام فيها، من الوهم بان السيطرة العسكرية والامنية على الفلسطينيين في الضفة والقطاع بديل لحل الدولتين.
ومنذ اليوم الاول و الساعات الاولى للحرب، بدا الاهتمام الجدي المضطرد للتفكير في سيناريو ما بعد وقف الحرب، وخاصة من قبل الولايات المتحدة ودول اوروبا الغربية، وما يمكن ان يطرح على طاولة المفاوضات من الحلول التي طال انتظارها وأهمها سلام يحقق امن دول المنطقة بما فيها إسرائيل ومستقبل وجودها اولا، ثم صفقة سلام عادلة بضمانات تعيد حقوق الشعب الفلسطيني كباقي شعوب المنطقة بدولة مستقلة.
السلام العادل سيتحقق بعد هذه الحرب واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية المحتلة اصبحت قاب قوسين او ادنى حيث (انتصرت القضية الفلسطينة في هذه الحرب وهزمت الغطرسة الاسرائيلية «موضوع مقالي في الراي يوم ٨/اكتوبر).
التقييم الاستراتيجي لهذة الحرب بانها ستكون الاخيرة على المدى المنظور بين إسرائيل والفلسطينيين، لان المتوقع من القوى الدولية ذات العلاقة، والقادة المنتظرين من الفلسطينيين الجدد في القطاع والضفة، و قيادات جديدة في إسرائيل ستاتي بها انتخابات مبكرة منتظرة خلال العام ٢٠٢٤، ستعمل جديا وبدعم عربي ودولي على صنع سلام مقنع للفلسطينيين والاسرائيليين.
السؤل الاهم حاليا، هل ستكون حماس جزءا من المستقبل السياسي لغزة ودولة فلسطين؟
بالرغم مما تعلنه إسرائيل وامريكيا من الرفض لاي دور مستقبلي لحماس، الا انه سيكون هناك مخارج متعددة لاعادة تأهيلها لتكون احد اهم المكونات السياسية للمجتمع الفلسطيني، وان احتواء حماس سياسيًا هو لمصلحة امن إسرائيل على المدى الطويل، وان ما تحتاجه إسرائيل ان تنخرط حماس في عملية سلام وتغيير ميثاقها الذي لا يعترف بوجود الدولة العبرية حتى الان.
إن «حماس» تمثل فكرًا أيديولوجيا عقائديا إسلاميا (مبادئ تأسيس حركة الإخوان المسلمين في مصر عام ١٩٢٨ على يد الشيخ حسن البنا)، وإسرائيل تسعى ليعترف هذا الفكر بشرعية وجودها رسميًا، وتاريخ تعامل إسرائيل مع «حماس» خلال الـ ٣٠ سنة الماضية يؤكد ذلك، لدرجة أن أحد الخيارات التي كانت مطروحة تحت الطاولة هو «إقامة دولة فلسطينية مستقلة في قطاع غزة ترتبط بشكل ما بالضفة الغربية» وبقي هذا الخيار، مطروحا حتي يوم ٧/اكتوبر، حيث تغيرت كل المعادلات والخيارات، وتعتبر خطوة مبادرة رئيس المكتب السياسي لحماس اسماعيل هنية الاخيرة وجوهرها قبول «حماس» بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، أول هذه التغييرات عند فكر «حماس»، والتي من المتوقع ان يتم تطوير هذه المبادرة او دمجها في عملية سلام عادل وممكن بعد هذه الحرب المكلفة جدا لطرفيها.
إن أهم المبادئ الاستراتيجية العسكرية يقول: السلام مع القوي أفضل وأضمن من السلام مع الضعيف. أن الحروب هي مفاتيح السلام، والدولة الفلسطينية أصبحت أقرب من التوقعات.