منذ عقد من الزمان والدبلوماسية الأردنية تخوض معارك ضد المخطط الصهيوني الذي تمحور حول القضم الناعم للأراضي الفلسطينية المحتلة مرورا بصفقة القرن وسياسات الإحلال السكاني من خلال توسيع المستوطنات وصولا الى الاستهدافات والاقتحامات للمسجد الأقصى والمدن الفلسطينية ومخيماتها، وخاصة عندما تنبأ جلالة الملك عبد الله الثاني بأن صفقة القرن تمهيداً إلى صدام لا يحمد عقباه.
في السياق كان هناك تجديد للحصار على قطاع غزة، وكانت تستهدفها في المأكل والمشرب والطاقة، وكانت المقاومة الفلسطينية في غزة تتبع سياسة المعارك بين الحروب، أي تضع القضايا المعيشية واليومية هدف لأي تحرك عسكري، أي قضية مطلبية مثل الميناء وفك الحصار على القطاع، وصولاً إلى هذه الحرب، والتي رفعت قواعد الاشتباك مع الكيان الصهيوني إلى مستوى لا يمكن التراجع عنه، وهو الاقتحامات والتقييم المكاني والزماني للمسجد الأقصى، والتي فرضت قواعد اشتباك جديدة نتجت عنها المعركة البطولية الأخيرة.
نود هنا أن نسجل أن كل أركان الدولة الأردنية ومؤسساتها الرسمية والشعبية خاضت معارك دبلوماسية هائلة، أدت إلى إجهاض «صفقة القرن»، وكانت عاملاً حاسماً لمشاريع التهويد، هذا الهجوم الدبلوماسي استكمل بناءه بشكل مختصر من خلال الموقف الأردني الأكثر تقدماً عربياً ودولياً اتجاه القضية الفلسطينية في سياق العدوان الصهيوني الغاشم المجرم والمتوحش على قطاع غزة.
وقد كانت كل تلك الحلقات الدبلوماسية والسياسة والشعبية والمدنية تتوق إلى استكمال هذه السلسلة المتكاملة من خلال واقع إنساني مجبول برؤية سياسة فذة، وهذه الحلقة المركزية كانت تتمحور حول جلالة الملكة رانيا العبد الله، فالكل يعرف أن هذه الأم الحنون أم وأخت الأردنيين جميعاً كانت مساندة حقيقة في سياق مسيرتها كاملة للمجتمع المدني والتطوير التربوي، والأداء الإنساني والأخلاقي، النابع من دماثتها وقدرة تأثيرها على كل المنظمات الإنسانية، ومتطلبات وأدوات المجتمع المدني دولياًَ ومحلياً، غير ذلك الدور المحوري التي لعبته في?الظل دائماً في دعم وإسناد المرأة الأردنية، مساهمة في تطوير ادائها وتجربتها، وهو ما انعكس على حقوقها السياسية، ولكن ما كان مبهراً هو ما انعكس عند كل أردني وأردنية اثناء مقابلتها مع أكبر المؤسسات الإعلامية الدولية، وخاصة في لقائها الأخير مع «سي إن إن».
لن نسترسل في إعادة ما قالته جلالة الملكة، ولكنني سأسلط الضوء على ذلك الزخم الهائل والحكمة والتوازن والاداء الملكي، بكل تفاصيله ومعرفتها الدقيقة في واقع السياسة الدولية، وهنا أود أن أنوه إلى أن جلالة الملكة في لقائها الأول قد أوضحت أن مفهوم ومصطلح الدفاع عن النفس لا يمكن أن يتم تطبيقه على أي دولة محتلة، فكيف للمحتل أن يُدافع عن نفسه،
وهذه العبارة اعتمدت كأساس في إجهاض الموقف الغربي الذي يدير العدوان تحت يافطة الدفاع عن النفس، وهو ما تبنته كل اللقاءات، والأممية الدولية، والذي أنعكس في اجتماعات مجلس الأمن والجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، والتي أدت إلى اجماع دولي بدعم المبادرة الأردنية المرتكزة اساسا على تغيير مصطلح الدفاع عن النفس، في تبرير قتل الأبرياء والأطفال والنساء والتدمير الممنهج القائم على مفهوم التهجير القصري.
ما أدهشني وأدهش كل المراقبين ذلك التمكن دون تردد أو مواربة أو مهادنة مع الصحافة الغربية الدولية، المنحازة بكل أدواتها لصالح الرواية الصهيونية، ولكنها جلالتها استطاعت في اللقاءين أن تحكم الموقف وان تضع اسئلة جاعلة كل الصحافة تنتظر سؤالا محوريا في كل سياق كلمتها وردودها، فهي من كان يسأل الاسئلة الكبرى، والتي لم يستطع احد الإجابة عليها لأنها اسئلة عدل وحكمة، وقدرة هائلة على توظيف المعلومات والتصاقها المباشر بالقضية الفلسطينية، كأولى أولويات جلالتها في البعد السياسي.
أبدعت جلالتها في سرد الرواية الفلسطينية الحقيقية، وأبدعت ايضاً في وضع النقاط على الحروف، في سياق الأدعاءات الوهمية والكاذبة للإعلام العالمي الدولي، ومدى تشويه الحقائق على الأرض، رافضة في سياق حديثها أن تعطي مجالاً لمحدثيها بأن تتهم المقاومة الفلسطينية بتهمة الإرهاب، لأنها أوضحت بكل جلاء أن من ينظر إلى القضية الفلسطينية في ٧ اكتوبر فهو غائب عن الوعي، لأن القضية الفلسطينية منذ ٧٥ عاما قائمة، وسبب وجودها وأزمتها وكوارثها نتيجة طبيعية للاحتلال وهو ما ركزت عليه جلالتها، مؤكدة أن حجم وضخامة ووحشية هذا العدوان ال?خير هو نتيجة طبيعية في شريعة الغاب وشريعة أنظمة الفصل العنصري، وعمالقة وجهابذة العسكريين والسياسيين الذي يعتمدون التصفية العرقية والتهجير القصري والجرائم ضد الإنسانية.
هي مكونات من بنية وعيهم والذين لا يرون بالآخر سوى أداة للوصول إلى أهدافهم المخيفة في جانبها الوحشي، وليس هناك بأي زاوية من زوايا تفكيرهم الحد الأدنى من السلوك الإنساني، فحجم وفظاعة ما يحصل جعل جلالة الملكة تطل على وسائل الإعلام الدولية، ذلك أن البعد الإنساني هو الطاغي على شخصيتها، وعلى محياها دائماً، ولذلك فقد وظفت كل هذا الاحترام وثقلها الشخصي وعلاقتها الدولية الإنسانية من أجل توضيح أهمية إعادة الوعي لدى توجهات العالم الغربي، هو حقيقة ما يجري ولقد كانت لقاءاتها وامكانياتها الشخصية واللغوية ومدى تأثيرها عل? الأخر عاملا حاسما في تسجيل النقاط لصالح القضية الفلسطينية، ولصالح الرؤية الملكية المتمثلة في موقف الأردن من القضية الفلسطينية، كأولوية ليس بعدها أولوية، وأن جلالة الملكة ترى فيما يحصل هو تمهيداً واقراراً لمشروع التهجير والإحلال على حساب مصلحة الأردن العليا، وهذا احد الأسباب المحورية لأطلالتها فجلالتها ترى في إطار استراتيجي أن القدرة الاستشرافية لجلالة الملك حول القضية الفلسطينية هي الأيقونة التي تنطلق منها في الدفاع عن شعبنا الفلسطيني المقاوم، وعن الأبعاد الإنسانية لسلوك الدول، والتي هي جوهر ومضمون وشكل و?اهر في محياها.
فطوبى لك يا أم الأردنيين جميعا فقد استكملتي حلقة المعركة الأردنية دبلوماسياً وإعلاميًا وكان لكلماتك تأثير مباشر على التحول لصالح القضية الفلسطينية، ولصالح مصلحة الأردن العليا دفاعاً وهجوماً دون أن تتناقض مما أدى الى التأثير على توجهات الرأي العام العالمي لصالح فلسطين والموقف الأردني والمقاومة الفلسطينية الباسلة التي تسطر ملحمة تاريخية سيجد انعكاسه في الزمن القادم وصولا الى العدالة المطلقة لشعبنا الفلسطيني المظلوم
طوبى لكِ جلالة الملكة فقد كنت مبدعة.