إنّ المُتأمِل في تطورات الأزمة السورية يلاحظ بسهولة أنّ هذه الأزمة لا تتجه إلى الحلّ كما هو مأمول، بل تتجه إلى التعقُد وذلك على كافة الصُعد: الدولية، والإقليمية، والمحلية، فعلى الصعيد الدولي هناك تواجد قوى كبرى على الأرض السورية، فهناك التواجد الروسي في قاعدة طرطوس البحرية، وقاعدة حميميم الجوية، وهناك التواجد الأمريكي الذي يتمثّل في عدة قواعد عسكرية أهمها قاعدة «التنف» على الحدود السورية الأردنية العراقية، وإشكالية هذا التواجد أنه طويل الأمد كما يبدو ولا أحد يعلم متى ينتهي، كما أن إشكاليته أيضاً تكمن في تو?هاته ففي حين يساعد الروس النظام السوري، فإن الأمريكيين يدعمّون قوات سوريا الديمقراطية التي تقف في مواجهة النظام السوري.
وعلى الصعيد الإقليمي تتصارع ثلاث قوى إقليمية على الأرض السورية فالقوات التركية تحتل جزءاً غير صغير في شمال سوريا وتساند جبهة تحرير الشام (النصرة سابقاً) التي تحارب النظام السوري، ولا تحتل إيران أي جزء محدّد من الأرض السورية ولكنّها تبسط نفوذها على مجمل الأراضي السورية مستعينة في ذلك ليس بقوات الحرس الثوري الإيراني فقط، ولكن بقوات حزب الله التي حاربت إلى جانب النظام السوري، وفيما يتعلق بالبعد الإقليمي فلا بدّ من الإشارة إلى أن جامعة الدول العربية قبلت بعودة سوريا إلى الجامعة بشروط مُعينة تمكّن سوريا من استع?دة وضعها الطبيعي في الحاضنة العربية، ولكن وللأسف فإن هذه الشروط لم تُلبَّ في معظمها ولذا فإن عودة سوريا إلى الصف العربي يبدو بعيد المنال في الوقت الحاضر، وفيما يتعلق بهذا البعد أيضاً فلا بدّ من الإشارة إلى الدور الإسرائيلي حيث تقصف إسرائيل كل يوم تقريباً في الأراضي السورية مستهدفة كما تقول الوجود الإيراني وأذرعه وبالذات حزب الله.
أمّا على الصعيد المحلي فإنّ تدهور الوضع الاقتصادي السوري أصبح واضحاً (كل 13,000 ليرة سورياً تساوي دولاراً واحداً)، وأصبح يلقي بظلاله على معظم المواطنين الذين يعانون من ارتفاع الأسعار، وشُح المواد الضرورية وبالذات الطاقة ومتعلقاتها، ولعلّ المظاهرات اليومية التي تخرج في السويداء (عاصمة محافظة السويداء) هي دليل على ما يقترب من الانهيار الاقتصادي في سوريا.
إنّ تعقُد الأزمة السورية يعني دولاً كثيرة على مستوى العالم، وعلى مستوى الإقليم، ولكنه يعني أكثر ما يعني دول الجوار ومنها الأردن بالطبع. إنّ الأردن يعاني من تفاقم الأزمة السورية على ثلاثة صُعد: يتعلق أولها بقضية المخدرات والتهريب حيث تواجه القوات المسلحة الأردنية والأجهزة الأمنية المهربين وتجار المخدرات في كل يوم تقريباً، وهي تجتهد كي تحّد من المخاطر على البلاد ما أمكنها ذلك مُتجنبة الحلول الأصعب المنطوية على أبعاد عسكرية بحتة (تأسيس منطقة عازلة، منطقة أمنية)، مع الأخذ في الاعتبار أن الأردن حاول مساعدة سوري? في العودة إلى الجامعة العربية وكان من مجموعة الاتصال (بالإضافة إلى مصر والسعودية والعراق) التي كُلفت بالتواصل مع النظام السوري والتأكد من تحقيق بعض المتطلبات الضرورية لعودة سوريا تماماً إلى المنظومة العربية.
ويتعلق ثاني هذه الصُعد بقضية اللاجئين السوريين الذين رحب الأردن بهم من منطلقات قومية وإنسانية ولكنه بدأ يئن الآن -وبخاصة بعد نضوب المساعدات الدولية- من تبعات اللجوء السوري على مستوى الخدمات المقدمة للأردنيين (طاقة، مياه، صحة، تعليم...). وإذا تذكرنا تعذر عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم في الظروف الحالية أدركنا حساسية هذا الموضوع.
أما الصعيد الثالث فهو قضية الحدود وتراجع الوضع الأمني على الحدود السورية الأردنية، وتواجد عدد غير قليل من التنظيمات المُسلحة والموجّهة إيرانياً في الجانب السوري. إنّ مثل هذه التنظيمات تشكل خطورة كامنة على الأردن وهي أقرب ما تكون إلى «قنبلة موقوتة» قد تنفجر في أيّ وقت.
ماذا يستطيع الأردن أن يفعل إزاء هذا الوضع المتفاقم في سوريا؟ إنه يستطيع أن يتبنى استراتيجية ذات أبعاد مُركّبة وعديدة (وهو ما فعله الأردن بشكل أو بآخر منذ تفجر الأزمة السورية في عام 2011) تقوم على مضاعفة اليقظة على الحدود، وتغيير قواعد الاشتباك عند الضرورة، وتحصين الجبهة الداخلية وتدعيمها (بما في ذلك ملاحقة تجارة المخدرات، ورصد تحركات أتباع التنظيمات المعادية الناشطة على الجانب السوري)، وتكثيف التواصل مع الجهات الدولية النافذة (روسيا، الولايات المتحدة، تركيا...) لتحييد الخطر ووضعه في حجمه الطبيعي الذي قد يش?ل إزعاجاً للأردن ولكنه لا يشكل خطراً حقيقياً.