د. عدلي قندح
تشير بيانات دائرة الاحصاءات العامة لشهر تموز 2023 الى ارتفاع معدل التضخم بنسبة 0.92% (أقل من نقطة مئوية واحدة) مقارنةً مع الشهر المقابل من عام 2022، وهذا مؤشر واضح لتراجع معدلات التضخم ويحتمل أكثر من تفسير، وخاصة أن هذا المؤشر هو أفضل قياس لمعدلات التضخم حسب ما سيتم توضيحه أدناه. كما ارتفع الرقم القياسي لشهر تموز 2023 بشكل طفيف بنسبة 0.07% مقارنةً مع الشهر الذي سبقه. أما على المستوى التراكمي فقد شهد الرقم القياسي للأشهر السبعة الأولى من هذا العام ارتفاعاً نسبتة 2.68% مقارنةً بالفترة نفسها من عام 2022.
ويعكس معدل التضخم التغيير في مستوى الأسعار العامة على مدى فترة زمنية معينة، وغالبًا ما يتم قياسها سنويًا وفي أحوال أخرى تقاس شهرياً أو للفترة المنقضية من سنة معينة مقارنة مع نفس الفترة من سنة سابقة. ويساعد تحليل معدل التضخم الاقتصاديين وصانعي السياسة في تتبع معدل ارتفاع أو انخفاض الأسعار خلال الفترة الزمنية المعنية.
وعند قياس معدل التضخم بشكل شهري يتم تتبع تغييرات الأسعار من شهر إلى آخر، وهذا المؤشر أكثر تقلبًا فهو يلتقط التقلبات السعرية القصيرة الأجل. إنه مفيد للشركات والمستهلكين الذين يرغبون في فهم التأثير الفوري لتغييرات الأسعار على ميزانياتهم وقرارات الإنفاق. ومع ذلك، يمكن أن يتأثر بعوامل مؤقتة، مثل التقلبات الموسمية أو الأحداث لمرة واحدة، والتي قد لا تعكس بدقة الاتجاه التضخمي الأساسي. لذا تلجأ الدول الى الأخذ أكثر بمعدل التضخم السنوي (من عام إلى عام) لأنه يقارن الأسعار من الشهر الحالي بالشهر نفسه في العام السابق. والتضخم من عام إلى عام أقل تقلبًا ويميل إلى توفير مؤشر أكثر استقرارًا وموثوقية على النمط الزمني الأطول للأسعار، ويوفر فهمًا أفضل للاتجاه العام للتضخم. وغالبًا ما تستخدم البنوك المركزية وصناع السياسة التضخم من عام إلى عام كأساس لقرارات السياسة النقدية.
أما أي القياسين هو الأكثر مناسبة فيعتمد على الاحتياجات الخاصة، فالتضخم من شهر إلى شهر أكثر ملاءمة لأغراض التخطيط على المدى القصير، فإذا كنت تقوم بإجراء تعديلات شهرية على الميزانية أو تتبع الظروف الاقتصادية على المدى القصير، سترغب في الانتباه إلى تغييرات التضخم من شهر إلى شهر.
اما اذا كنت تجري التخطيط على المدى الطويل، فالتضخم من عام إلى عام عادةً هو أكثر إفادة، حيث يساعد الأفراد والشركات وصناع السياسة النقدية في الوصول إلى اتجاه التضخم الأوسع واتخاذ قرارات أكثر استقرارًا وطويلة المدى.
في الممارسة العملية، يعتبر العديد من المحللين وصناع السياسة النقدية كل من التضخم من شهر إلى شهر ومن عام إلى عام للحصول على رؤية شاملة لديناميات التضخم. إنهما يكملان بعضهما البعض من خلال توفير رؤى حول كل من التغييرات الفورية في الأسعار واتجاهات أطول المدى، مما يسمح بفهم أكثر اكتمالاً للبيئة التضخمية. ونظرا لأن الدول معنية أكثر في التخطيط على المدى الطويل فإن مؤشر التضخم السنوي هو الذي يجب أن يحكم اتجاه السياسات المالية والنقدية.
وعادة ما تتأثر ديناميات التضخم بمجموعة متنوعة من العوامل، بما في ذلك التغييرات في الطلب والعرض للسلع والخدمات، والسياسة النقدية (مثل إجراءات البنك المركزي المتمثلة بتغييرات أسعار الفائدة)، والسياسة المالية (مثل الإنفاق الحكومي والضرائب)، والصدمات الخارجية (مثل تقلبات أسعار النفط والسلع الغذائية العالمية والسلع الاساسية، وهذا يمثل ما يعرف بالتضخم المستورد) وتوقعات التضخم المستقبلية.
سياسة ربط سعر صرف الدينار بالدولار الأميركي التي يتبعها البنك المركزي في الأردن تجعل من السياسة النقدية أكثر ارتباطاً بالسياسة النقدية في الولايات المتحدة الاميركية. قرار بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الاخير بتثبت أسعار الفائدة الفيدرالية خدم السياسة النقدية في الاردن وخاصة في ظل انخفاض معدلات التضخم المقاسة سنوياً لمستويات تقل عن 1%. والسؤال الذي يطرح نفسه هو «هل تعكس الانخفاضات في معدلات التضخم تباطؤ النشاط الاقتصادي واحتمالية الدخول بركود اقتصادي في الأشهر المقبلة؟"هذا ما سنجيب عليه في المقال المقبل.