أحياناً نضرب أمثلة من الخارج لنُدلّل على مستوى الأداء الرفيع في قطاعات عدة، من أجل تحفيز أنفسنا على فعل شيءٍ مماثل.
ففي سعينا لتطوير أنفسنا وتحقيق النقلة المرجوة، نستدعي تجارِبَ عدّة نجدُها مثالاً يُحتذى به؛ مثل التجربة اليابانية والسنغافورية والكورية الجنوبية، وقبلها التجربة الغربية في أوروبا والأمريكيتين.
هم يفعلون هذا وذاك، فلِمَ لا نفعل ما يفعلون، أو شيئاً مُماثلاً؟
ولا بأس في ذلك، من حيث المبدأ، لأن الأصل أن يفيد المرء من تجارب غيره، فالحقيقة في غالب الأحيان نسبية والأمور تُقاس بالمقارنة.
لكنّ الإشكالية هنا تكمن في أنّ ما يحدث عند الآخرين قد لا يحدث عندنا، وما ينطبق عليهم أو يُناسبهم قد لا ينطبق علينا ويناسبنا.
من أجل ذلك نقول، دعونا لا نذهب بعيداً ولنستلهم الدروسَ والعِبَر مما أنجزنا ونُنجز نحن.
والسؤال المهم هنا، هل عندنا إنجازات ونجاحات على مستوى إنجازات ونجاحات الآخرين، يُمكن أن تكون مصدر إلهام؟
والجواب نعم.
هنالك أمثلة كثيرة تأتي بالدرجة الأولى من القطاع الخاص.
لعقود والقطاع يُقدّم النموذج تلو الآخر في الأداء المُميّز الذي يرقى لأعلى المواصفات العالمية.
تَمعّن في المستوى الرّفيع الذي حققته بعض المطاعم، من حيث جودة الطعام والخدمة وأناقة المكان.
وذات الشيء ينطبق على الفنادق والبنوك والمولات والشركات والمصانع والمكاتب والكازيات وغيرها.
ما يقدم في العديد منها ينافس ما هو موجود في أعرق الدول، لا بل يتفوق عليه أحياناً.
والمهم في الأمر أن ما يتمّ هو نتاج عقول وأيادي وإدارات أردنية، منّا وفينا.
ربما كان المسؤول الأكبر في فندق أو مطعم أو مصنع أو شركة ما عندنا، فيما مضى، خبيراً أجنبياً. بيدنا أن شبابنا وشابّاتنا سرعان ما استوعبوا مُقوّمات الإدارة الكفؤة والتميّز، فأبدعوا فيما يقدمون من منتجات وخدمات.
وسؤال المليون دينار الأول هنا: إذا كان أبناؤنا وبناتنا قد تميزوا في القطاع الخاص وقدّموا لنا ما يُضاهي ما قدم السنغافوريون والكوريون واليابانيون وغيرهم، لماذا أخفق نظراؤهم في القطاع العام في فعل شيء مماثل؟ ولماذا السمة الغالبة على القطاع العام التّعثر والتّأخر؟
أما سؤال المليون دينار الثاني فهو، لماذا لا نَستَلهِم العِبَر والدروس مما فعله أبناؤنا المُميّزون هؤلاء، لنقلِ تميّزهم إلى القطاع العام؟
بالطبع الإجابة على السؤال الأول مُركّبة ومُعقدة، ومن أهم العوامل التي تدخل فيها أن المُحفّز الداخلي والخارجي عند من يعمل في القطاع الخاص أقوى بكثير من الحافز عند نظيره في القطاع العام، الذي يعدّ نفسه آمناً في بيت أبي سفيان بغض النظر عن أدائه؛ يضاف هذا إلى آليات الاختيار والتدريب والرقابة والمتابعة والحوافز المالية وغير ذلك كثير.
أما الإجابة على السؤال الثاني فلا بد أن تكون بنعم. لنَستَلهِم ونَستنسخ تجاربنا الناجحة في القطاع الخاص، فهي الأقرب إلينا.
نعي جيداً أنّ الظروف مختلفة في القطاعين، لكنّ جَسْرَ الهوة ليس مستحيلاً. يُضاف إلى ذلك أنّ هنالك بعض التجارب المميزة في القطاع العام ذاته يمكن استنساخها والإفادة منها.
إذاً، لا تذهبوا بعيداً في البحث عن قصص نجاح مُلهِمة، فهي بين أظهُرِنا.