تلوح في الأفق السياسي مبادرة انطلاق جديدة لإعادة إطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط على أساس حل الدولتين، بعد حالة الجمود الباردة خلال السنوات السابقة، والتي خلقت حالة من اليأس والردة على مجمل عملية السلام مع إسرائيل عند الشعوب العربية وخاصة الشعب الفلسطيني الصامد على أرضه أمام بطش دولة الاحتلال.
جاءت القمة الثلاثية بين جلالة الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم امس في مدينة العلمين المصرية، ذات أهمية كبيرة في ظل التطورات التي تشهدها المنطقة، حيث بحثت مجمل هذه التطورات إقليميا ودوليا ومعاناة الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وما يدور في الأفق السياسي العام وفرص إعادة تحريك المفاوضات وعملية السلام العربية الفلسطينية مع إسرائيل، التي أصبحت في حالة من الجمود الذي يسبق العاصفة والذي يهدد بانفجار يمس الجميع بسبب سياسات التعنت والتطرف التي ترتكبها حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل.
وقد سبق أن أكد جلالة الملك عبدالله الثاني على أهمية توفير المجتمع الدولي الحماية للشعب الفلسطيني، وتكاتف الجهود لإيجاد أفق سياسي يعيد إطلاق مفاوضات جادة وفاعلة لحل القضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين، وذلك خلال لقائه الرئيس عباس في عمان الأسبوع الماضي.
أهم التطورات الإقليمية والدولية التي ستدفع باتجاه إعادة إطلاق عملية السلام هي: تحركات الادارة الامريكية و سعي الرئيس بايدن لتحقيق انجاز مرموق في السياسة الخارجية الاميركية وخاصة في الشرق الاوسط لتعزيز فرصة فوزه في الانتخابات الامريكية القادمة ٢٠٢٤.
ومما يعزز الفرصة لدى الطرف الفلسطيني والعربي استمرار تمسك ألرئيس بايدن بمبدأ حل الدولتين، وبنفس الوقت له تحفظات على ما يجري من قبل حكومة نتنياهو في بناء المستوطنات واقتحامات المسجد الاقصى والمساس بالوصاية الهاشمية عليها، بالاضافة الى ما يتعلق بتعديلات قضائية في إسرائيل تحد من صلاحيات المحكمة العليا قامت بها الحكومة الاسرائيلية التي لازالت تواجه احتجاجات ضخمة من قبل الراي العام الاسرائيلي، وبسبب ذلك تم تاجيل عقد لقاء قمة لبايدن مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، وربما سيعقد اللقاء المرتقب لاحقا مع نتياهو، ومن المرجح ان يكون نقطة اعادة انطلاق لترتيبات شاملة تتعلق بعملية السلام في الشرق الاوسط، بما في ذلك ترتيبات مع المملكة العربية السعودية سبق ان اشارت اليها صحيفة الفايننشال تايمس يوم 2023/8/9، ومركز الامن الامريكي الجديد الذي اكد على موقف الادارة الامريكية في المحافظة على التفوق الاسرائيلي وتوفير حماية امنية للسعودية وإعادة ترتيب العلاقات الامريكية السعودية وتأهيل برنامج نووي سعودي، واتفاقية سلام سعودية مع إسرائيل.
في هذا السياق ايضا جاءت صفقة تبادل أسرى امريكين من اصول ايرانية مقابل الأفراج عن ٦ مليارات دولار من الاموال الايرانية المحتجزة في كوريا الجنوبية. والاهم في تلك الصفقه هو توقيع اتفاقية امنية بين الادارة الامريكية والسلطات الايرانيه هي الاولى من نوعها، وتقضي اهم بنودها بعدم قيام او دعم ايراني لاي عمليات ضد الجنود الامريكين او المصالح الامريكية، وهذه كلها انجازات ومقدمات تبريد للتوترات والنقاط الساخنة، تهيىء ربما لانجاح مبادرة شاملة في الشرق الاوسط تدفع عملية السلام الى الامام على طريق تحقيق الاستقرار السياسي والامني في المنطقة، وستكون إنجازًا كبيرًا وورقة قوية لصالح الرئيس بايدن في الانتخابات الامريكية المقبلة ٢٠٢٤.
اما في اسرائيل مازال رئيس الوزراء نتنياهو يعمل على تحصين نفسه سياسيا امام المحكمة العليا في إسرائيل، ويتوسع في بناءً المستوطنات في القدس والضفة الغربية،ويواجه مظاهرات حاشدة في إسرائيل تهدد ائتلافه مع الأحزاب المتطرفة، ويسعى جاهدا لتوسيع اتفاقيات السلام مع الدول العربية وخاصة المملكة السعودية، ويطالب ببناء تحالف عسكري من دول المنطقة ضد ايران، ولكن السؤال المطروح هل لديه القدرة والقناعة والاستعداد لعقد سلام عادل مع الفلسطينيين والعرب؟ ربما لقاءه المرتقب مع الرئيس الاميركي بايدن سيجيب على التساولات ويحدد مصير مسيرة السلام المرتقبة.