خدمة الدفع الالكتروني
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي
محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق دراسات وتحقيقات أخبار مصورة صحة وجمال كاريكاتور إنفوجرافيك علوم وتكنولوجيا منوعات طفل وأسرة عين الرأي الرأي الثقافي

استقلال القضاء: جوهر الديمقراطية؟!

طباعة
انسخ الرابط
تم النسخ
د. أحمد بطّاح

أثارت «الاصلاحات القضائية» التي اقترحتها حكومة نتنياهو في إسرائيل موجة احتجاجات غير مسبوقة حيث استمرت لأسابيع عديدة، وشارك فيها مئات الألوف من الإسرائيليين، وهدّد فيها جنود وطيارو احتياط بالاستنكاف عن الخدمة، والواقع أنّ هذه الاصلاحات المقترحة (تمت الموافقة من البرلمان الإسرائيلي «الكنيست» على البند الأول منها فقط) خلقت نوعاً من الشرخ في المجتمع الإسرائيلي بين مؤيديها (اليمين الإسرائيلي ومناصريه)، ومعارضيها (العلمانيين واليساريين بشكل عام)ـ ولعلّ جوهر هذه «الإصلاحات» هو دور القضاء الإسرائيلي وبالذات المحكمة العليا الإسرائيلية، فمؤيدو هذه «الإصلاحات» يرون أنه لا بدّ من خلق توازن أكثر بين السلطات (التشريعية، والتنفيذية، والقضائية) الأمر الذي يفرض تقليص صلاحيات المحكمة العُليا، وإعادة النظر في أسلوب تعيين قضاتها وذلك لصالح الحكومة المنتخبة، بينما يرى المعارضون أن تقليص صلاحيات هذه المحكمة سوف يؤدي إلى هيمنة السلطة التنفيذية من خلال ممثليها في «الكنيست» على القضاء الإسرائيلي، الأمر الذي سوف يقود إلى الاستبداد وعدم وجود مرجعية مهنية ومستقلة للبت في القضايا الخلافية وبالذات الكبيرة منها والتي قد تكون الدولة والمسؤولون طرفاً فيها، وبخاصة أن إسرائيل لا تتوفر على «دستور» بل تعتمد مرجعية قانونية معينة تسميها «قوانين أساس».

إنّ ما يحدث حالياً في المجتمع الإسرائيلي يطرح إشكالية مهمة تتعلق بالديمقراطية وهذه الإشكالية هي: ما جوهر الديمقراطية والعنصر الذي إذا فُقد لم يعد لها معنى؟

إنّ الديمقراطية (Democracy) ومنذ أن ابتكرها اليونان (500 ق.م) تعني حكم الشعب ولكن هذا المفهوم وبخاصة عند تطبيقه ارتبط بمفاهيم عديدة فبعضهم رأى أنها «المشاركة» بأية صورة تتم فيها، وبعضهم ربطها «بالحرية»، وبعضهم ربطها بالانتخابات والتداول السلمي للسلطة، وبعضهم ربطها باستقلالية القضاء والرضا به كمرجعية أخيرة عند حدوث الاختلافات بشتى صورها، ولعلّنا هنا نستذكر أنّ الرأسمالية تبنت ما سُمي «بالديمقراطية الليبرالية» (أيّ حرية العقل والقلب) بما يترتب على ذلك من حرية اعتقاد وتعبير، أما الاشتراكية فقد تبنت ما سُمي بالديمقراطية الاجتماعية (عُرفت اصطلاحاً بـ حرية الزبد والجبن) أيّ تحقيق العدالة الاجتماعية الكفيلة بتوفير الخدمات العامة الأساسية (التعليم، الصحة، النقل،....) بعدالة للجميع.

إنّ الحاصل اليوم على هذا الصعيد أن الديمقراطية أصبحت (دين العصر) بمعنى أن الكل يسعى إليها، أو يتشدق بها، ويدّعي أنه يريد تطبيقها سواء أكان ذلك على مستوى الحكام أو الشعوب، والحاصل الآن كذلك هو أن نمط الديمقراطية الذي انتصر هو نمط «الديمقراطية الليبرالية» وإن اتخذت أشكالاً عديدة، ففي الولايات المتحدة هناك نظام رئاسي (Presidential System) قائم على ما يُسمى بالتوازنات (Checks and balances) بين السلطات مع فصل تام فيما بينها)لا يجوز لعضو الكونجرس أن يصبح وزيراً مثلاً) ولكن مما لا شك فيه أن المرجعية النهائية هي مجلس القضاء الأعلى (Supreme Court) المكوّن من تسعة قضاة يُعيّنون مدى الحياة. (لاحظ محاكمة ترامب)

وفي المملكة المتحدة (وهي أعرق دولة ديمقراطية في العالم وثلثا دستورها غير مكتوب بل أعراف وتقاليد)، هناك نظام برلماني (Parliamentary system) يتمثل في حكومة قائمة تحكم (من الحزب الفائز في الانتخابات وحيث يستطيع عضو البرلمان المُرشح عن حزبه أن يكون وزيراً)، وفي حكومة «ظل» من المعارضة المتأهبة لتسلم الحكم عند خسارة الحكومة القائمة للثقة في مجلس «العموم» البريطاني، وغني عن القول أن القضاء هو المرجعية الأخيرة أيضاً في النظام البريطاني، ومعروف أن القاضي في بريطانيا يحدّد راتبه بنفسه كي لا يكون عرضة للإغراء والضْعف، ومعروفةٌ أيضاً مقولة «تشرشل» (رئيس الوزراء البريطاني الشهير الذي قادها إلى النصر في الحرب العالمية الثانية) «إذا كان قضاؤنا بخير فنحن «بخير». (لاحظ ما حدث مع رئيس الوزراء البريطاني السابق بوريس جونسون).

وفي فرنسا هناك ما يسمى بنظام «الجمعية الوطنية» (Assembly system) حيث يكون هناك رئيس، ورئيس وزراء وجمعية وطنية (برلمان)، (بخلاف النظام الأمريكي حيث لا يوجد منصب رئيس وزراء، وبخلاف بريطانيا حيث لا توجد حكومة «ظل")، أما القضاء فهو المرجعية الأخيرة، وقد أصدر هذا القضاء حكماً بالسجن على الرئيس السابق جاك شيراك (لم يُنّفذ بسبب تقدمه في السن)، ويُوشك على إصدار حكم على رئيس سابق أيضاً هو «ساركوزي».

وفي المحصلة لا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية حقيقية بدون حرية تُجرى فيها انتخابات نزيهة، ولا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية بدون أن تتمخض عن تداول سلمي للسُلطة، ولا يمكن أن تكون هناك ديمقراطية بدون ضمان لحقوق المواطنين في الاعتقاد، والتفكير، والتعبير، ولكن مما لا شكّ فيه أن ضمان نهج ديمقراطي ناجح لا بدّ أن يتضمن وبالضرورة وجود قضاء نزيه ومستقل حيث يشكل المرجعية النهائية التي يمكن اللجوء إليها للبت في أيّ نزاع.

أخيراً هناك حقيقة مهمة يجب استذكارها دائماً وهي أنّ الديمقراطية هي تنظيم المجتمع لنفسه داخلياً من الناحية السياسية (تطوير نظام سياسي)، أمّا السياسات الخارجية للدولة فهي تعبير عن مصالحها (والتي قد لا تكون مشروعة من وجهة نظر الآخرين)، فبريطانيا مثلاً كانت أكبر دولة استعمارية في العالم خلال القرنين الماضيين ولكن لا أحد يشك في أنها دولة ديمقراطية.

محليات اقتصاد عربي ودولي رياضة فيديو كتاب مجتمع شباب وجامعات ثقافة وفنون ملاحق
جميع الحقوق محفوظة المؤسسة الصحفية الاردنية
Powered by NewsPress
PDF