أنظار العالم مُوجّهة اليوم و«غداً» صوب العاصمة الليتوانية/فيلنيوس, حيث تُعقد القمة السنوية لحلف شمال الأطلسي/الناتو. قمة تأتي بعد قمة مدريد التي التأمت أواخر حزيران/2022، حيث وُصِفت بأنها «أهم قمة يعقدها الحلف منذ أجيال», حداً وصل بأمينه العام/ستولتنبرغ اعتبارها «قمّة تحوّل», رغم أن القمة وقتذاك عانت انقساماً حول مدى الدعم والمشاركة في الحرب الأوكرانية.
مشهد الانقسام لم يتغيّر منذ التقى قادة الناتو في إسبانيا، بل ازداد الشرخ اتساعاً وإرباكاً الآن بعد الفشل المدوي للهجوم الأوكراني المُضاد, الذي حشد له الغرب الاستعماري كل ما توفّر عليه من أسلحة متقدمة وعتاد وأموال ودعم استخباري/سيبراني, وتخطيط بل ومشاركة فعلية في غرف العمليات وميادين القتال, ناهيك عن قرار الرئيس الأميركي/بايدن تزويد أوكرانيا بالذخائر العنقودية, وسط مُعارضة مُعلنة أو تحفّظ من حلفائه, مثل بريطانيا التي قال رئيس وزرائها: أن لندن «وقّعتْ على معاهدة حظر هذا النوع من الأسلحة", فيما شدّدت وزيرة ال?فاع الإسبانية أن «هذا قرار واشنطن وليس قرار الناتو", في حين لم تتردّد موسكو في وصف قرار بايدن بانه «دليل ضعف ويأس».
وإذا كانت صحيفة «غلوبال تايمز» الصينية, قد وَصفتْ تمديد ولاية أمين عام الحلف النرويجي ستولتنبرغ, بأنه «يُشير إلى انقسام داخل الحلف, وتعاظم نفوذ الولايات المتحدة على حساب حلفائها", فإن جدول أعمال القمة يعكس مخاوف التصدع والإنقسام, التي بدأت تفرض نفسها على علاقات الدول الأعضاء (عددها 31 في انتظار موافقة تركيا وهنغاريا على طلب السويد). حيث بدأت ترتفع الأصوات المنددة بإصرار واشنطن وبولندا وبريطانيا وألمانيا ودول البلطيق, مواصلة دعم أوكرانيا وإمدادها بالسلاح والعتاد وأحدث أنواع الأسلحة, بعد مدّها بالدبابات والص?اريخ متوسطة المدى وطائرات F-16 الأميركية, بعد خيبة الأمل «الناتوية» من مآل الهجوم الأوكراني المُضاد, الذي بدأ في 4 حزيران الماضي دون إحراز أي إنجاز ملموس.
نجح أصحاب الرؤوس الساخنة (الذين يريدون إلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا), في وضع «عضوية» أوكرانيا على جدول الأعمال, رغم ما تبديه دول وازنة ومُؤثرة في الحلف من رفض أو تحفّظ, وعلى رأسها الولايات المتحدة (أقلّه ما هو معلن), ليس فقط في أن أوكرانيا لم تستوفِ معايير الانضمام, بل خصوصاً لأن أحد بنود ميثاق الناتو ينصّ, على أن «لا تكون أي دولة تروم الانضمام إليه, في حال حرب أو تعيش نزاعات داخلية»، وإن كانت هناك تسريبات «مُؤكدة» تحدّثت عن قرار للناتو, بإنشاء مجلس تحت اسم (مجلس أوكرانيا–الناتو), سيعقد اجتماعه الأول في ا?يوم الثاني والأخير للقمة, بحضور رؤساء الدول والحكومات وبمشاركة السويد (الدولة غير العضو في الحلف), كما سيشارك فيه الرئيس الأوكراني/زيلينسكي, وثمة بند أكثر أهمية على جدول الأعمال, يلحظ ضرورة «زيادة الإنفاق الدفاعي واستمرار المُساعدة لأوكرانيا».
في السياق ذاته تتواصل تحليلات وتوقّعات وسائل الإعلام الغربية وبخاصة الأميركية, حول «القلق» الذي يشعر به بعض حلفاء الولايات المتحدة في الناتو, بشأن المدة الزمنية والكلفة التي سيتحملها هؤلاء بمواصلتهم دعم أوكرانيا. وهو ما أشارت إليه صحيفة «بولتيكو» الأميركية التي كتبت تقول: إن الوضع حول دعم كييف في الحلف, يصبح أكثر تعقيداً بسبب قمة الناتو التي ستعقد في ليتوانيا، لافتة/بولتيكو إلى أن عدداً متزايداً من الجمهوريين في الكونغرس الأميركي, خاصة المشاركين الرئيسيين في السباق الرئاسي من الحزب الجمهوري, «يُعارضون» الم?اعدة لأوكرانيا، مؤكدة أن «هذا الموقف يثير مخاوف في أوروبا، خاصة في ما يتعلق بحقيقة أن الرئيس الأميركي المقبل في انتخابات تشرين الثاني 2024 قد يكون جمهورياً.. ما يُحتمل أن «يُقسِّم الحلف». دون إهمال احتمالات حدوث انقسام حاد حول ما إذا كان ينبغي «فتح الطريق أمام أوكرانيا لعضوية الناتو»، في ظل فشل الهجوم الأوكراني المُضاد, وبروز مؤشرات على انعدام قدرة القادة العسكريين الأوكران على القتال بعد ما يقارب 18 شهراً من الحرب..
في الخلاصة.. رغم الحماسة التي ما تزال تُبديها إدارة بايدن لمواصلة دعم أوكرانيا, وعدم السماح لروسيا بالانتصار في هذه الحرب. فإن بايدن وأركان إدارته سيبذلون قصارى جهودهم لمواصلة ضغوطهم على الدول الأعضاء في الحلف, لضمان عدم حدوث أي تمرّد داخله عبر مقابلته شخصياً جميع قادة هذه الدول, إضافة إلى عقد لقاءات مع رؤساء دول أخرى تُوصفُ بانها «شريكة للحلف», في أوروبا ومنطقتيّ آسيا والمحيط الهادئ مثل اليابان تمّت دعوتهم كضيوف.
** إستدراك:
تعتزم دول أطلسية، بينها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، تقديم «عرض» لأوكرانيا يُوفّر لها «حماية أمنية» على غرار الطريقة التي توفرها الولايات المتحدة لـ«إسرائيل» منذ عقود. وهذه «الحماية» البديلة لـِ«العضوية الكاملة»، ستشمل اتفاقات لتزويد أوكرانيا بأسلحة دفاعية وتكنولوجيا مُتطورة، وتبادل معلومات استخباراتية، لكن ليس من المؤكد أن هذه الاتفاقات ستكون جاهزة لتوقيعها على هامش القمة.