النجاح هدف كلنا نصبو الى تحقيقه في حياتنا العملية والعلمية، وقد نركز كثيرا في اكتساب المعارف العلمية والتكنولوجية ونطور أدواتنا بها عبر التحصيل الدراسي وأدوات التعلم الحديث، وننجح كثيرا في تحقيق طموحاتنا المهنية وفي تعليم أبنائنا أكاديميا، لكننا قد نفشل كثيرا في الشعور بالسعادة والتحقق الذاتي في تذوق معنى هذا النجاح.
والسبب بسيط لكنه جوهري، وهو تجاهل النجاح الاجتماعي والعاطفي. فكم رب أسرة حصل على اعلى الشهادات العلمية وحصد المراكز الوظيفية المرموقة وفشل في مهمته الاساسية كزوج وأب ! وكذلك كم حققت المرأة من نجاحات وطموحات مهنية وفشلت في نقل مشاعر الامومة الدافئة لقلب صغارها ! وكم طالب متفوق دراسيا لكنه فاشل في اجتذاب الاصدقاء واقامة علاقات اجتماعية سوية مع اهله وجيرانه وزملائه.
فالنجاح الحقيقي يبدأ من ادراك الانسان لمشاعره وللاخرين والتحكم بانفعالاته لصالح حل المشكلات الاجتماعية التي تواجهنا في معترك الحياة. وللاسف فان معظم توجهاتنا التربوية في البيت والمدرسة تركز على التعلم الاكاديمي والمعرفي والرياضي وتهمل اكتساب المهارات العاطفية والاجتماعية، وهو ما قد يفسر العنف المتزايد في سلوك المجتمع صغيرا او كبيرا.
ولذلك يرى علماء النفس أن الذكاء العاطفي قد يكون أكثر أهمية من معدل الذكاء التعليمي في تحديد نجاح المرء في الحياة، و ثبت أن الأشخاص الأكثر نجاحا هم الذين يتمتعون بمهارات شخصية واجتماعية متطورة.
بالماضي القريب كنا نظن ان الذكاء العاطفي والاجتماعي هو سلوك فطري لدى كل انسان، وهذا حقيقي، ولكن نسبته وفقا لما اكتشفه العلماء لا تزيد عن 20 % فقط، و80 % يعتمد على تطوير الذات والمهارات المكتسبة، ولذلك يدعو الخبراء التربويون الى ضرورة تدريس الذكاء العاطفي والاجتماعي بالمناهج الدراسية
فالناجحون عاطفيا يكونون اكثر تواصلا بالأخرين واكثر مرحا واقبالا على الحياة، و لا يغرقون في انفعالاتهم ومشاعرهم السلبية، بل انهم يبدعون في أصعب الظروف، وطموحهم ربما قد يسبق قدراتهم المعرفية، لكنهم بالاصرار والتفاؤل والجهد يحققون احلامهم.
ووفقا لخبراء التطوير النفسي، فان للذكاء العاطفي 5 ركائز، أولها إدارة العواطف كالقلق والميل للاكتئاب ومواجهة المواقف الصادمة، و ثانيها الذكاء الوجداني المعني بمعرفة ما يشعر به الآخرون تجاه أنفسهم أو تجاه الشخص
و الثالثة تتعلق بالوعي بالنفس من خلال تحليل الموقف ووضع ضوابط لإدارة الانفعال وردود الفعل تجاه الموقف، تليها تحفيز النفس لتحقيق اهدافنا من خلال تجاوز الواقع السلبي المحبط المحيط بنا.
وأخيرًا، وصولا الى الهدف الاسمى وهو توجيه العلاقات الإنسانية وفن إدارتها من خلال تحقيق التوازن بين العقل والقلب معا وتوظيف المهارات التي اكستبها في الترقب من الاخرين والانصات اليهم وقبول ارائهم وحسن الظن بهم والتعاطف معهم واقناعهم بالتفاوض والاعتذار اليهم والاعتراف بالخطأ وتحمل المسؤولية وقبول اللوم وهو ما يكسب الانسان احترام الاخرين.
يمكن تنمية ذكائنا العاطفى عبر بث التفاؤل لابنائنا والمراهقين خاصة، بنشر قصص الناجحين وتحديهم للصعاب، مع اشعار الابناء المراهقين بالمسؤولية عن نفسهم وتطوير قدراتهم وتعويدهم على التوافق مع مختلف الطبائع البشرية وحفزهم على التكيف معها.
ومن أحدث الوسائل المستخدمة في تطوير الذكاء العاطفي والاجتماعي برنامج شات جي بي تي ChatGPT، هو برنامج دردشة أطلقته OpenAI في نوفمبر 2022، من نماذج اللغات الكبيرة، وهو روبوت محادثة مدعوم بالذكاء الاصطناعي، ويفهم اللغات البشرية ويستجيب بطريقة تشبه البشر، ويسمح تنسيق الحوار والإجابة على أسئلة المتابعة والاعتراف بأخطائها، يؤلف الشعر ويتذكر المحادثات.
ويمكن لمن يعانون من صعوبات توصيل افكارهم أو وجهة نظرهم بطريقة صحيحة أو مبسطة الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لربوت شات جبت chat GPT، عن طريق أخذ معلومات منهم وتحليلها واعطائهم اختيارات للكلمات والجمل التي تمكنهم من التعبير عن انفسهم بلغة الزمان والمكان الذي اختاروه بسهولة، ومع الوقت يكتسب الفرد مهارة التعبير عن نفسه وتوصيل افكاره ببساطة للاخرين.