في سياق ذلك الضغط الهائل التي تفرزه بشكل يومي المواجهة المقدسة بكل المعايير بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني في الكل الفلسطيني وخاصة دخول قطاع غزة على خط المواجهة المباشر انطلاقا من العبثية الصهيونية في خلق قواعد اشتباك جديدة انطلاقا من ازمتها الداخلية والتي عمقها للحقيقة دون مواربة ذلك الموقف التاريخي في بعده الزماني الذي اجهض صفقة القرن مما جعل هذا الكيان انطلاقا من اخفاقه الاستراتيجي يذهب بشكل فطري الى استبدال الواقعية البراغماتية الصهيونية كما يطلق عليها البعض بالكشف عن مضامين المرتكزات الفكرية للح?كة الصهيونية اتجاه التطرف لتعكس بذلك طبيعتها الفطرية وبنيتها الايدلوجية.
نقول ذلك لأن معايير قياس النجاح والانتصار ومراكمة المكتسبات كما رسخها في عقولنا وذهنيتنا نضال الشعب الفلسطيني على مسار وعمقه جلالة الملك عبد الله الثاني من خلال التدرج ومراكمة الإنجازات على كل الأصعدة وخاصة على الصعيد السياسي بإعطاء الانسان قدرة على توظيف كل الظروف الموضوعية والذاتية من أجل تحقيق الأهداف المنشودة.
من هنا فإن ما يحصل في قطاع غزة من استهداف صهيوني ارتكز في كل أسبابه ومسبباته على الاستفراد بفصيل من فصائله العسكرية الفلسطينية دون مبرر الا من خلال اخراج ازمته الداخلية الطاحنة والحصول على مكتسبات وهمية من خلال تغيير قواعد الاشتباك الطبيعية لإرضاء هذا اليمين المتطرف ولمصلحة شخصية بحته حاول من خلالها هذا الكيان الخروج من مأزقه من خلال توسيع دائرة حصته من الدم الفلسطيني كمهر يقدم الى الزوجة اليمينية المتطرفة والتي لا يمكن ان يشبعها ليس الدم الفلسطيني فقط ولكن الدم العربي أيضا.
من هنا نقول لأصحاب نظرية الواقعية السياسية والعسكرية والذين وبشكل مباشر يتباهون على حجم التضحيات الفلسطينية ويركزون على مراكز القوة العسكرية والحرص المباغت على مفهوم الأملاك الفلسطينية بالأرض والمكان ويدعون من خلالها الى اخراج معادلة توازن الرعب من سياقها السياسي وان يحرصوا كما حرصوا سابقا اليوم على هذا الدم واننا لا نستطيع ان نواجه اليد المخرز كان ردا سابقا على هذا التوجه قام به الأردن بشكل استثنائي عندما كانت هناك مشروع صفقة القرن برزت هذه الابواق لتدعوا الأردن الى التماهي مع هذا المشروع ولعدم قدرة الأرد? بموارده البسيطة وضعف إمكانياته ان يواجه مشروعا بحجم صفقة القرن تدعمه كل قوى العالم وخاصة في ظل مرجعية دولية لا تملك أي قراءة حقيقة للواقع رغم ما قدم من إغراءات يسيل لعاب كثير من الدول عندما يقدم لها هذا الطبق الذهبي.
لكن جلالة الملك عبد الله الثاني وانطلاقا من مسؤوليته الروحية والدينية والقيمية والسياسية والعسكرية رفض رفضا قاطعا الانصياع او التماهي مع هذا المشروع فكانت صفعة حقيقة لتلك الابواق التي كانت تنادي بالتعامل مع الواقعية السياسية وانكم ضعفاء وغير قادرين وهذا المشروع سيمضي بكم او بدونكم فكان الرد الأردني واضحا فمعايير قياس الانتصار لا تقاس بالقدرات المادية والعسكرية انما تقاس بالثوابت القيمية والروحية التي تحرك المسارات السياسية.
هذا المشهد يتكرر اليوم من نفس الابواق اتجاه صمود الشعب الفلسطيني في غزة ويعودون أيضا الى نفس المقارنة ويقومون بالتباكي على الدم الفلسطيني وأين هذه الصواريخ من تلك الآلة العسكرية الهائلة للكيان الصهيوني.. فكان جواب الفلسطيني بنفس الجواب الأردني بأن ما يحركنا ثوابتنا الدينية والروحية وفهمنا الدقيق لمواطئ ضعف هذا الكيان.
واننا كما تعلمنا من التاريخ بالبحث دائما عن مواطئ الضعف الصهيوني لمقارعته على الصعيد السياسي والاجتماعي والروحي فحاصنة جبهتنا الداخلية في الأردن كانت عاملا حاسما في الانتصار على صفقة القرن وحصانة الجبهة الداخلية الفلسطينية فيما يخص الدفاع عن البعد الروحي والديني هو ما سيجعل تلك الترسانة الهائلة تتجمد امام الصواريخ المصنعة داخليا والتي لا تؤثر في البعد العسكري الا من خلال استهدافها الى ذلك الوعي الجمعي الصهيوني الذي لا ينتمي الى هذه الأرض بكل معايير القياس أي الدينية والسياسية والروحية.
لذلك فان هذه القيم التي جابه بها الأردن كل ذلك التحول العالمي والضغط لتمرير صفقة القرن استطاع ان يواجه ويجهض وينتصر على مشروع دولي بهذا الحجم مثال بسيط عندما لم يبق أي صهيوني في قطاع غزة بدأت وعود السمن والعسل تنهال على أبناء القطاع البواسل.
بأن تبقى غزة منطقة حرة مزدهرة منفصلة عن فلسطين وهمومها بنفس النسق ونفس أدوات الاغراء التي قدمت الى الأردن فابتسم جلالة الملك عندها وقال أن وجود هذه الأرض والعلاقة الروحية والدينية التي تربط الأردني بدينه وقيمه وواقعه لا يمكن أن تنتزع فلسطين والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة من قلب أي اردني تحت التهديد او الاغراء.
في نفس النسق تواجه المخيمات الفلسطينية والمدن الفلسطينية في كل مكان هذا العدوان وتلك الابواق التي تدعوا بالواقعية والاستسلام بالمشروع ولذلك رفضت غزة ان تكون منسلخة عن الأقصى وتابعت ضمن اطار القتل والحصار والضغط الهائل احتوت كل ذلك لانك لا يمكن ان تنزع الأقصى من صدر أبناء غزة ولا يمكن ان تنزع كنسية القيامة من صدر أبناء غزة ولا يمكن ان يحتوي هذا الكيان مفهوم التضحية في الشجر والحجر والروح والابن والزوج من اجل الحفاظ وتحرير وتطهير مسرى ورسول الله صلى الله عليه وسلم.
هذه المقارنة بعمق تفاصيلها هي سمات وجود في الوعي الجمعي الفلسطيني فالعامل الحاسم الدين والأرض والامتداد الروحي هي العوامل الحاسمة والتمسك بها ولو بتضحيات هائلة يعتبر بالمعيار العسكري والسياسي هو انتصار متدرج مراكم لمكتسبات متدرجة بسيطة جعلت هذا الكيان الذي يكلفه كل جندي صهيوني أربعة ملايين دولار سنوي لا يستطيع ان يجيب عن سؤال طرحه احد المدنيين الصهاينة عندما سال في هذا اليوم وعلى القناة 13 الصهيونية «خضنا منذ سبعة عشر عاما كثير من المعارك والمواجهات المتكررة وللمفارقة ولم يسقط جنديا صهيونيا واحدا في هذه ال?عارك رغم سقوط عدد هائل من المدنيين فالأولى في المعارك ان يسقط الجندي وليس المدني فأين جيشنا من هذه المعارك ». فلم يستطيع ان يجيبه المذيع في القناة 13 الجواب الى الواقعيين السياسيين ان هذا الجيش فرضت عليه هذه الصواريخ وهذه المقاومة قاعدة تحييد للقوات البرية على مدار التاريخ فرغم ما يحصل في غزة لا يوجد هناك دبابة واحدة متجهة اتجاه غزة.
من هذا المنطلق استكمل هذا المدني الصهيوني مداخلته وقال هذا الجيش لا يمكنه ان يخوض معارك برية فلماذا ندفع كل تلك الضرائب من اجل تأهيله وابقائه جيشا قويا؟ طبعا لا جواب لأن الجواب في كيف تعبئ المرآه الفلسطينية والاردنية أبنائها بان التضحية قرار اللاهي لانتزاع طهارة هذا المسجد الأقصى وكما نرى كيف يعبئ الجيش العربي المصطفوي من خلال سمو ولي العهد في لقاءاته مع قيادة هذا الجيش بان عقيدة هذا الجيش عروبية هاشمية صاحب رسالة وليس مراكما لترسانة عسكرية هائلة دون عقيدة ومعركة الكرامة ما زالت شاخصة امامنا كمثال حي.
لماذا ذهبت الى ولي العهد في المقارنة لأن ذلك جزء من وجدان الهاشميين السابقين واللاحقين بتكامل لا يمكن فصله عن العقيدة القتالية الفلسطينية ولن تلقى فلسطينيا واحدا في هذا الكون يعترض على وصاية الهاشميين على المقدسات الإسلامية والمسيحية في مدينة القدس والسبب في وحدانية الوجدان والتكوين الفكري اذ ان هذا العامل هو العامل الحاسم في الانتصار القادم لا محاله فالكركي عندما اشتد عليه التطرف في قلعة الكرك كانت الفضائيات العالمية تستغرب ان هؤلاء بأيديهم العارية يسابقون القوة الأمنية للقضاء على المتطرفين وبنفس الوقت ال?ن ينظرون الى الفلسطيني بسكين مطبخ يهز كيانا يعتبر من اكبر كيانات العالم من حيث القدرة العسكرية يرهبه سكين مطبخ وهنا بالضبط معايير قياس الانتصار الناجز فالنصر حليف لهذا الشعب في بيت المقدس واكناف بيت المقدس حتى لو كان لا يملك خبزا فهو منتصر لا محالة.
فإلى أصحاب الواقعية السياسية والعسكرية معايير قياس الانتصار في كل المعارك لا تخضع للحجم والقدرات انما تخضع للأيمان والإرادة بالانتصار كما واجهه ويواجه الشعب الفلسطيني بصواريخ بسيطة استهدف الوجدان الصهيوني وكما عمل الأردن رغم قلة موارده بمواجهة اضخم صفقة قدرت في معاييرها الوجودية ما بين الاغراء والتحذير لكن هيهات هيهات فنحن شعب واحد وجدنا للدفاع عن هذه الامة كلها فالنشمي العربي في الأردن والمقاوم الفلسطيني مجبولين على التضحية والعطاء فهذا قدرهم وهذا مطلبهم.