في الشهر الماضي كتبت مقالًا تساءلت فيه مستنكراً كيف يضيق صدر دولة ما على فرد كأنه ندٌّ لها فتحقد عليه حد قتْله، بدل ان تدع أمره لمؤسساتها، واليوم اجدني أكتب عن موقف معاكس، عن فرد يحقد على دولة بعينها لمنعها من ان تهرع لنجدة غيرها اثناء ازمة خطيرة كوباء كورونا كانت تهدد بلده والعالم بأسره، فيغفل بذلك كل المعايير الاخلاقية والإنسانية، والنموذج المقصود هو مايك بومبيو عضو الكونغرس الذي أصبح وزيراً للخارجية في عهد ترامب وقبل ذلك مديراً لوكالة المخابرات المركزية، ففي كتاب صدر في نيويورك ولندن العام الماضي وغلافه?يحمل صور الرئيس السابق ترامب وصهره جاريد كاشنر وآخرين، بعنوان «مجرمو الكورونا والانتهازيون المستفيدون من الجائحة» جون نيكولز الكاتب في صحيفة Nation الواشنطونية، جاء في فصل (الحرب الباردة لمايك بومبيو ضد العلم والتضامن بين الشعوب) أنه لم يكن إلا منسجمًا مع نفسه بعدم تعاطفه مع ضحايا الكورونا وعدم اهتمامه بالمساهمة في قيادة التجاوب الدولي لمقاومة الوباء إذ كان اكثر ميلًا لتدبير صفقات أسلحة مستعجلة لدولة نفطية وكذا التخطيط للتخلص من حكومة فنزويلا! لا بل كان لديه كلام غريب مستهجن يقوله في ٣٠ نيسان ٢٠٢٠ ل «قادة»?البلاد التي اجتاحها الوباء وكانت بأمسّ الحاجة لأي مساعدة: أُرفضوا الدعم الطبي أو على الاقل صعِّبوا الأمور على الذين يمدون لكم يد العون! فقبل ذلك بأيام (٢٦ نيسان) كان ٢٠١٦ طبيبا وممرضة مختصين في مكافحة الأمراض المعدية قد نقلوا جوًا إلى جوهانسبرغ للمساعدة في التصدي للكورونا مستخدمين نموذجا مجتمعيًا للخدمة الصحية مناسبًا جدًا لجنوب افريقيا أثنى عليه وزير صحتها زويلي مْخيز بعد نجاحهم في تطبيقه في جوائح سابقة في العالم مثل الكوليرا في هايتي عام ٢٠١٠ وإيبولا في شرق افريقيا عام ٢٠١٣. فما هي مشكلة بومبيو مع هذه ال?جدة الصحية؟ المشكلة انها من كوبا البلد الاشتراكي الذي ما انفك رئيسه دونالد ترامب يشيطنه، وللحذو حذوه صرح مندداً: لقد لاحظنا كيف استخدم نظامُ هافانا مناسبة الوباء في مواصلة استغلال العاملين الصحيين الكوبيين (!) وامتدح في الوقت نفسه الحكومة اليمينية في البرازيل لأنها خلقت الصعوبات في وجه الكوبيين، كما مارس ضغوطًا على حكومة جنوب افريقيا لكي تحاكي البرازيل لكنها أبت.
من المعروف في الاوساط الصحية العالمية كيف اشتهرت كوبا خلال العقود الستة الماضية بالسمعة الحميدة لنظامها الصحي، ثم سجلها الحافل بإرسال جيوش من ذوي المعاطف البيضاء المدربين الى النقاط الصحية الساخنة حول العالم حتى بلغ عددهم قبل الكوفيد أكثر من ٢٨ ألفًا في٦٧ بلدًا، ولما انفجرت الجائحة وتعالت صرخات الاستغاثة من العديد من الدول تجاوبت كوبا المخنوقة بالحصار الأميركي وعقوباته الاقتصادية بارسال ٤٠٠٠ عامل صحي لأكثر من ٤٠ بلداً منها دول أوروبية غنية كإيطاليا.
مقابل تحريض بومبيو ضد كوبا يستذكر جون نيكولز مؤلف الكتاب الرئيس السابق باراك أوباما اثناء رحلته الى كوبا في أواخر عهده عام ٢٠١٦ إذ قال:لا احد يستطيع ان ينكر الخدمات التي قدمها آلاف الأطباء الكوبيين للمرضى الفقراء اينما كانوا حتى انهم عملوا جنبًا الى جنب مع العاملين الصحيين في القوات الاميركية لإنقاذ الأرواح والقضاء على ايبولا في شرق افريقيا،ثم خرج عن المألوف في حفاوته البالغة بالعمل الانساني التاريخي الذي اجترحه طبيب الوبائيات الكوبي كارلوس فينلي في نهايات القرن التاسع عشر وبأبحاثه للقضاء على الحمى الصفرا?.
وبعد.. هل وضح الأمر؟!