يشهد السودان الشقيق منذ 15 نيسان الماضي أزمة دموية، تهدد هذا البلد بمزيد من الحرائق، والخطورة أن القتال اشتعل بين العسكريين، بدل أن يكون واجبهم ضباطا وأفرادا حماية الوطن من الخطر الخارجي.
والصراع العسكري المشتعل بين الجيش الذي يتزعمه عبد الفتاح البرهان، وقوات «الدعم السريع» التي يقودها محمد حمدان المعروف بـ«حميدتي»، بعد خلافات بينهما تتعلق بالنزاع على السلطة، فكلا الطرفين يحاول انتزاع صلاحيات أكبر، خاصة وأن «الدعم السريع» قوة مقاتلة هي أقرب الى الميليشيات، وخارجة عن سيطرة الجيش ويعُدّ أفرادها بعشرات الآلاف.
وعنوان الخلاف بين الطرفين هو دمج قوات الدعم السريع في الجيش ضمن «الإصلاح الأمني والعسكري»، إذ يطالب الجيش بعملية دمج تستغرق عامين، بينما يطالب «الدعم السريع» بأكثر من 10 سنوات، ومن الواضح ان قتال «الأخوة الأعداء» له امتدادات اقليمية ودولية، وغير بعيد عن التدخلات الخارجية!.
وسط هذا الصراع بين العسكريين تبدو القوة السياسية المدنية مغلوبة على أمرها، خاصة الموقعة على «الاتفاق الإطاري» وعلى رأسها «الحرية والتغيير - المجلس المركزي»، ولا تجد خيارا سوى دعوة الطرفين للتهدئة.
عرفت الكثير من الأشقاء السودانيين خلال فترة الدراسة الجامعية في بغداد، سواء من كانوا زملاء معي في قسم الصحافة والاعلام، أو من خلال العمل الطلابي العربي المشترك، وعرفت أثناء فترة عملي في جريدة الراية القطرية صحفيين وكتاب وعاملين سودانيين في مختلف القطاعات، وبضمنهم الطبيب والروائي أمير تاج السر، فضلا عن قراءة مؤلفات وأعمال أدباء وشعراء كبار، في مقدمتهم الطيب صالح صاحب رواية «موسم الهجرة الى الشمال»، والشاعر محمد الفيتوري الذي يقال إنه من أصول ليبية، صاحب القصيدة الشهيرة التي مطلعها: «أصبح الصبح فلا السجن ولا?السجان باق.. ﻭﺍﺫﺍ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﺟﻨﺎﺣﺎﻥ ﻳﺮﻓﺎﻥ ﻋﻠﻴﻚ»، وكتبها بعد نجاح ثورة أكتوبر 1964، التي أنهت الديكتاتورية العسكرية الأولى بقيادة الفريق إبراهيم عبود، وكانت أول ثورة شعبية في أفريقيا والعالم العربي، وتحولت قصيدة الفيتوري إلى ما يشبه النشيد الوطني، بعد أن غناها المطرب السوداني الشهير محمد وردي، لكن «جرت الرياح بما لا تشتهي السفن »، حيث أصبح السودانيون يصبحون على انقلابات عسكرية!
وفي مارس 1988 ظهر الرئيس الليبي المرحوم معمر القذافي، وهو يردد قصيدة الفيتوري «أصبح الصبح ولا السجن ولا السجان باقي»، وهو يقود بنفسه جرارا لتحطيم وهدم السجن ويطلق سراح المساجين، وسط هتافات وفرحة السجناء وذويهم.
وما يميز السودانيين أن نسبة المثقفين والمفكرين والمتعلمين مرتفعة، وثمة تعددية لافتة في انتماءاتهم السياسية والايديولوجية، لكن لم يكتب لهذا البلد الغني بثرواته المتنوعة الفكرية والاقتصادية والمعدنية، أن ينعم بفترة استقرار سياسي رغم تعدد الثورات، ودائما كانت سلطة الجنرالات هي الأقوى من الطموحات لحكم مدني ديمقراطي.
[email protected]