تصريح إنفعاليّ لافت أطلقه وزير الدفاع الأميركي/الجنرال أوستن أمس/الأربعاء, عندما قال بغضب بعد سلسلة اجتماعات مع «زميله» وزير الخارجية/بلينكن: إننا «سنواصل التحقيق ونقلب كل حجر حتى نعرف مَصدر هذا «التسريب"المزعوم ومداه». بعدما كان مساعده للشؤون العامة أعلنَ الإثنين الماضي, أن عملية التسريب التي يُرجّح أنها حصلت لوثائق أميركية سِريّة تُشكّل خطراً «جسيماً جداً»..على الأمن القومي الأميركي.. ولديها القدرة على نشر معلومات مُضلّلة».
وإذ ألقت عملية التسريب بظِلالها القاتمة على «مجمع» الاستخبارات الأميركية بأذرعتها المختلفة, وبخاصة وكالة المخابرات الأميركية CIA بما هي أبرز أذرع وكالة الأمن القومي الأميركي NSA التي تضم 16 وكالة حكومية فيدرالية أميركية، لكن كل منها تعمل بشكل منفصل, للقيام بأنشطة استخبارية لدعم السياسة الخارجية والأمن القومي الأميركي.فإن ردود فعل الدول «الحليفة» للولايات المتحدة التي طالتها الوثائق المُسرّبة، قد عكست من بين أمور أخرى, عدم التزام الإدارات الأميركية المُتعاقبة بوعودها وتعهداتها بأن لا تقوم وكالاتها الاستخبار?ة بالتجسّس عليها, ناهيك عن رد الفعل الهستيري الأميركي الرسمي الذي صوّب سِهام إتهاماته لروسيا, حيث الأخيرة/ موسكو حذّرت من المُبالغة في تقييم تلك الوثائق, التي في نظرها قد تكون جزءاً من عملية تضليل يقوم بها البنتاغون, في الوقت ذاته الذي لم تنكر فيه صحة المعلومات التي احتوتها تلك الوثائق, والتي كانت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية صاحبة السبق في الإشارة إليها, بعدما قيل إنها «جمَعتها» من مواقع التواصل الاجتماعي (منها تيلغرام وتويتر) التي كانت أول من نشر تلك الوثائق المُسرّبة.
يحضر في مقدمة حلفاء واشنطن الذين «خضعوا» لتقييمات وكالات الاستخبارات الأميركية ثلاثة حلفاء (من بين دول عديدة حليفة ظهرت أسماؤها في الوثائق), وهي أوكرانيا/تقييمات بفشل هجوم الربيع المتوقّع, وإسرائيل ومعلومات بأن جهاز الموساد الإسرائيلي المُكلّف بالملفات الخارجية, دعا وأسهم في دعم مظاهرات الاحتجاجات ضد خطة نتنياهو لِـ"إصلاح الجهاز القضائي». إضافة إلى كوريا الجنوبية التي جاء في الوثائق المُسرّبة انها «تستعد لتزويد أوكرانيا بالعتاد والذخيرة».
إسرائيلياً وفي السياق ذاته كشف «رونين بيرغمان»، الصحافي في صحيفة «يديعوت احرونوت» المُتخصص بالشؤون الأمنيّة والمُقرّب جداً من الدوائر الاستخبارية الصهيونية في مقالته يوم الاثنين 10/4/2023 تحت عنوان «مُتنصِّتون في القيادة».. قال فيها: «الجلبة في إسرائيل، في أعقاب كشف الوثيقة في نيويورك تايمز.. فوّتت الكشف الأكبر الذي يوجد هناك.. على فرض أن الوثيقة أصلية. الاستخبارات الأميركية – أضاف – تسلّلت أغلب الظن عميقاً إلى وسائل الاتصال الداخلية للقيادة الإسرائيلية».. كاشفاً النقاب عن معلومة عمرها (11)عاماً على النحو ?لتالي: في بداية 2012 كان وزير الدفاع ايهود باراك يجلس على «البيانو"في شقته في أبراج أكيروف، ويفكّر في ما سيعزفه لِـ"المُستعمين»، واكتشفت – واصلَ – حراسة باراك قبل وقت ربما من ذلك، بأن السفارة الأميركية استأجرت شقة تطل على نافذته، ظاهراً لواحد من حُراس السفارة, والتقديرات – يضيف بيرغمان – في أنه غُرس في الشقة ضمن أمور أخرى جهاز تنصت مُتطوِّر».
لم يتوقف بيرغمان هنا، بل مضى في «الكشف» قائلاً: رداً على ذلك.. كان وزير الدفاع (يقصد باراك) بين الحين والآخر, يرفع الستائر عن النوافذ كي «يُلطِّف زمن المُستعمين»، من ناحيته – استطرد بيرغمان – بالمناسبة لم تكن مسألة أن يعرِف الأميركيون ما يريدون أن يعرفوه عن إسرائيل.. إذ – يواصل بيرغمان – في حينه كانت العلاقات الاستخبارية بين إسرائيل والولايات المتحدة في ذورة من التعاون العميق، لكن - أضاف - بدأت الشكوك المُتبادلة، فقد اكتشفت الولايات المتحدة المزيد فالمزيد من الاستعدادات الإسرائيلية للهجوم (يقصد الهجوم على ?يران) وبين تسريب وثائق سنودن بأن الـ NSA (وكالة الأمن القومي الأميركي) اقتحمت بريد باراك ونتنياهو. باراك - ختم بيرغمان - ابتسم، لكن نتنياهو كان يتملّكه قلق عميق من المُلاحقة الأميركية».
في السطر الأخير.. نفي دول عديدة وأجهزة استخباراتها ووزارات دفاعها ما كشفته «عنها» الوثائق الأميركية المُسرّبة, يُضفي المزيد من الشكوك حول «صدقية ودقة» تلك الوثائق, تماماً كما حول صدقية الدول «النافية» لما انطوت عليه الوثائق الأميركية المُسربة. لكن وفي الآن ذاته فإن تصويب وسائل إعلام تلك الدول (النافية) كما وسائل الاعلام الاميركية, على دور «روسِيّ» في كشف هذه الوثائق يدفع للاعتقاد حدود الجزم, بأن جزءاً لا بأس به من مضامين تلك الوثائق يتوفّر على نسبة معقولة من الصِدقية. الأمر الذي يمكن تلخيصه بعبارة نحسب أن ?ثيرين يتشاركونها, وهي أن «ليس للولايات المتحدة صديق أو شريك سواء كان شريكاً استراتيجياً أو عابراً أو مُؤقتاً, في منأى عن التنصّت والتجسّس..والإختراق.
[email protected]