في ظل تعددية اعلامية عالمية لا أحد ينكر ان وكالات الانباء، رسميةً كانت أم شبه رسمية، قد اصبحت اكثر قبولًا لدى الناس حول العالم كمصادر رصينة مؤهلة لنشر المعلومات عبر الوسائل المختلفة من إذاعات وقنوات فضائية وصحف وغيرها، سواءً أدركوا او لم يدركوا أنها ليست محايدة مجردة عن الهوى والغرض كبعض المحطات التلفزيونية والاذاعية والمراكز الإخبارية المستقلة في اميركا التي لا مصدر تمويلياً لها سوى تبرعات جمهورها، بل تعكس في المقام الاول مصالح بلادها والشركات والمؤسسات الاقتصادية الكبرى فيها لأنها تدعمها بشكلٍ أو باخر، و?عبر في النهاية عن سياسة حكوماتها حتى لو لم تكن تلك تديرها او تمولها مباشرةً كما في حالة هيئة الاذاعة البريطانية (وهي واقعياً واحدة من اهم وكالات الانباء في العالم) التي تعترف هذه الايام في صدر نشراتها الإخبارية على البودكاست بانها مدعومة بالإعلان !
وللتذكير بأهمية وخطورة وكالات الانباء نلتقط من التاريخ غير البعيد كيف بدأ الناس بعد انهيار الاتحاد السوفياتي في تسعينات القرن الماضي يلاحظون ان بعضها قد احتلت معظم الساحة الاعلامية العالمية في ظل القطب الأوحد وباتت تدعي احتكار الحقيقة الى أن اضطرت تحت ضغط الرأي العام ومرور سنوات وسنوات ان تنحو في المجالات السياسية نحو الموضوعية كما تعودناها في العلمية والصحية وشؤون البيئة والطبيعة وما وازاءها، وان تبذل جهدًا أكبر في البحث والدرس والتمحيص كما التثبت من صدق المعلومة وصحة الواقعة، لذلك بات المهتمون فعلاً أحرص?على الاطلاع على نشراتها وتقاريرها كلما كانت متاحة، وكنموذج توضيحي بسيط سأطرح اليوم على القراء تقريراً لوكالة الانباء الفرنسية اصدرته الاسبوع الماضي من بيكين (والأصح ان تقول بيجين وهو الاسم الحقيقي الذي تعرفه الوكالة حق المعرفة) يتحدث بتوسع عن أن الصين قدمت على مدى السنوات العشرين الماضية ٢٤٠ مليار دولار كقروض انقاذ إلى ٢٢ دولة نامية بهدف تحسين العلاقات التجارية بين آسيا وأوروبا وافريقيا عبر بناء موانئ او سكك حديد ومطارات ومجمعات صناعية، وقد ذهبت كل هذه الأموال تقريبا إلى دول تشكل قسمًا من طرق الحرير الجديد?، وهو مشروع انضمت اليه اكثر من ١٥٠ دولة بحسب پيكين، ويواجه انتقادات على الصعيد الدولي بسبب المديونية الخطيرة (!) كما يقول تقرير مضاد اصدره مركز الأبحاث الاميركي والبنك الدولي ومعهد هارفارد كينيدي ومعهد كييل للاقتصاد العالمي، وبالمقابل ترفض الحكومة الصينية هذه الانتقادات بالقول «إن الصين لم ترغم أحدًا قط على اقتراض المال، كما لم ترغم اي دولة على الدفع، ولا تطرح أي شرط سياسي على اتفاقيات القروض، ولا تسعى إلى اي مصلحة سياسية ضمن هذا النظام » وذلك في غمز واضح من جانب اميركا ودول الغرب التي تمنح قروضًا لمثل تلك?الدول كي تسيطر على اقتصادها وتتدخل في شؤونها السياسية، فكيف تتباكى الآن عليها وتحذرها من «فخ الديْن الصيني «!
إلى هنا لا نملك إزاء التقرير إلا الاحترام فهو يطرح المعلومات المختلفة ويقارن بين المواقف المتباينة للحكم عليها بهدوء وروية، ما دامت لا تتعدى الاختلاف السلمي في الرأي وليس التلويح بالعقوبات الاقتصادية كالحصار والمقاطعة.
وبعد.. ارجو الا اكون قد ابتعدت عن لب الموضوع بما يُسخط عليّ بعض المؤمنين بالبنك الدولي!