أولاً: القوة العسكرية: ما زالت الولايات المتحدة أقوى عسكرياً من الصين حيث تتوفر على (800) قاعدة عسكرية في (80) بلداً من بلدان العالم فضلاً عن ترسانتها النووية التي تتجاوز ال (5000) رأس نووي استراتيجي مدعومة بقوة حلف الناتو الذي يضم دولاً قوية مثل بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، فضلاً عن تحالفات عسكرية مهمة خارج الحلف كتحالفها مع اليابان واستراليا. صحيح ان الصين تملك جيشاَ قوياً (زادت موازتنها العسكرية 10% الاسبوع الماضي) كما ضاعفت من قوتها وبالذات في المجال البحري، ولكن قوتها العسكرية بشكلٍ العام ما زالت دون القوة العسكرية الأميركية وبخاصة انه ليس لها حلفاء عسكريون ملتزمون برغم علاقتها الخاصة والاستراتيجية مع روسيا.
ثانياً: القوة الاقتصادية: ما تزال الولايات المتحدة هي الاقتصاد الأكبر في العالم وإذا احتسبنا القوة الاقتصادية للولايات المتحدة مع الاتحاد الأوروبي (27) دولة وبريطانيا واليابان واستراليا يصبح من الواضح رجحان القوة الاقتصادية الأمريكية، وبرغم هذه الحقيقة يظل النفوذ الاقتصادي الصيني ذا اهمية جلية ومتنامية فقد اقرضت الصين (تريليون دولار) لعشرات الدول خلال العقد الماضي في إطار مشروعها المعروف بمشروع (الحزام والطريق)، كما أن أكثر من (100) دولة تعتبر الصين أكبر شريك لها، فضلاً عن أن الصين تتميز عن غيرها (بحكم طبيعة نظام حكمها) في انها تستطيع أن تمنح أو تمنع الوصول إلى سوقها المحلي الضخم، الامر الذي يمنحها نفوذ القوة الهائلة.
ثالثاً: الموقع الجغرافي: تتبوأ الولايات المتحدة موقعاً جغرافياً فريداً حيث تقع بين محيطين (الأطلسي والهادي) وإلى جانب دولتين صديقتين (كندا والمكسيك) وهي ثالث أكبر دول في العالم من حيث المساحة، أما الصين فهي تتشارك في الحدود مع أربع عشرة دولة (14)، ولها نزاعات متفاونة مع عدد غير قليل منها كالهند وفيتنام وغيرها.
رابعاً: الطاقة: تعد الولايات المتحدة دولة مصدرة للنفظ وبخاصة بعد أن نجحت في استثمار النفظ الصخري، وهي تتوفر على مخزون استراتيجي نفطي كبير، أما الصين فما زالت معتمدة وأكثر من أي وقت مضى على وارادات الطاقة من الخارج، ومن الجدير بالذكر أنّ كثيراً من طرق إمدادات الطاقة الصينية مهددة بالقوة البحرية الأميركية المتمترسة في المحيط الهندي والخليج العربي.
خامساً: القوة المالية: تنبع القوة المالية للولايات المتحدة من مؤسساتها المالية العابرة للحدود أو تلك المؤسسات التي تحتفظ فيها بنفوذ كبير كالبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي كما تستمد قوتها المالية من قوة عملتها أي الدولار الذي ترتبط به عملات كثيرة، وتكفي الاشارة هنا إلى أن (59%) من الاحتياطات من النقد الاجنبي في العالم هي بالدولار والذي ما زال العملة الاكثر قابلية للتحويل، فضلاً عن أنه الأكثر تفضيلاً من قبل أسواق رأس المال على المستوى العالمي، أما فيما يتعلق بالصين فإن جزءاً متواضعاً من احتياطات النقد الاجنبي تقوُّم بعملتها (الرنمينبي)، ورغم الجهود الصينية لتوسيع التعامل بعملتها فإن احتمالية ان يحل (الرنمينبي) محل الدولار على مستوى التعاملات المالية العالمية ما زالت ضئيلة.
سادساً: الوضع الديمغرافي: فضلاً عن انها الثالثة عالمياً على مستوى المساحة فإن الولايات المتحدة هي الثالثة فيما بتعلق بالترتيب السكاني العالمي، ويتوقع أن تزداد نسبة العمل فيها بمقدار (5%) أما بالنسبة للصين فإن من المتوقع انحدار نسبة عدد سكانها في سن العمل بمقدار (9%).
سابعاً: التكنولوجيا المتقدمة: ما زالت الولايات المتحدة في صدارة الدول المعنية بتطوير التكنولوجيا العالية (Hi – Tech) كتكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا النانو وغيرها وهي ضرورية لديمومة النمو الاقتصادي، اما الصين فإنها تبذل جهداً كبيراً في هذا المجال ومن المتوقع ان تصبح كما أشرنا آنفاً الاولى عالمياً في عام 2030 في مجال استخدام الذكاء الاصطناعي.
ثامناً: القوة الناعمة: والمقصود بالقوة الناعمة (القدرة على الجذب لا على الاكراه والقسر) ولا شك ان الولايات المتحدة كانت تاريخياً تمتلك قدراً غير قليل من القوة الناعمة بحكم شيوع ثقافتها الغربية، ولغتها الانجليزية، وقوتها الاكاديمية، وطبيعة مجتمعها المفتوح المتجدد دائماً بفعل آلاف المهاجرين سنوياً، أما الصين فقد ظلت لفترة طويلة (مملكة السماء) البعيدة، ولكنها تنشط الآن لاستخدام قوتها الناعمة من خلال مشاريع مساعدة الدول النامية، والتبادلات الثقافية، وتسهيل حركة السياحة والسفر دخولاً إلى الصين وخروجاً منها، وإن كان تنقصها بالطبع قوة المجتمع المدني التي تتجلى بقوة في مجتمع غريمتها الولايات المتحدة.
هل معنى المقارنات السابقة أن الامر محسوم لصالح الولايات المتحدة؟ بالطبع لا فالعالم يتغير والصين تتقدم وتشكل خطراً استراتيجياً حقيقياً على الولايات المتحدة، وإذا أخذنا في الاعتبار ان طبيعة الحياة تكمن في (التعادلية، والتوازن) وعلى كافة الصعد لذا فإن من المؤكد أننا سنشهد في العقود القادمة عالماً أكثر توازناً فيه الصين كقوة عظمى (ربما مع قوى عظمى أخرى مثل روسيا) إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، وعندها ينتهى عالم القطب الواحد ويبرز عالم الاقطاب. حقيقة واقعة.