في ظلّ التعددية الثقافية للعالَم، وفهم الشعوب لحقوقها بطريقةٍ أكثر وعيًا، مقارنة بالماضي؛ أصبح من الصعب على أيّ مركزية ثقافية دولية أن تفرض شروطها ورؤيتها على الثقافات الأخرى، لأن حدوث ذلك سيهدد بانتكاس المسيرة الإنسانية، وعملية التحديث التي أنجزها المجتمع المعاصر والقيم المصاحبة لذلك، وينذر بالعودة من جديدٍ إلى صراع الأصوليات؛ فحفظ الثقافات قديمها وحديثها ضرورة لا بدّ منها لتمتين أواصر العلاقات بين الشعوب، بغض النظر عن أحجامها وتصنيفاتها.
والثقافة بحد ذاتها مفهوم معقد جدًا، يمكن تبني التعريف الأنثروبولوجي الذي يرى الثقافة بأنها «ما يفعله الناس، أفرادًا ومجموعات، بالإضافة إلى ما ينتجونه نتيجة لما يفعلونه». وبصورة أخرى، يمكن وصف الثقافة بأنها المجموعات الفريدة من القيم والمعتقدات والمواقف والتوقعات، إضافة إلى اللغات والرموز والعادات والسلوكات ومنتجاتها، فهي تتضمن جانبين معنوي ومادي.
ومع تنوع الثقافات العالمية وتشابكها في العصر الحديث، وازدياد حاجة البشر إلى التعامل مع بعضهم، أولى الباحثون اهتمامهم لدراسة الثقافات المختلفة، ورصد الاختلافات والتشابهات فيما بينها، وعمل المسوح الواسعة لدى شعوب كثيرة، وأفضى ذلك إلى تميزها بحسب قيمها الأكثر وضوحًا؛ فكان علم الذكاء الثقافي
إن الذكاء الثقافي لا يعني فقط الفهم المعرفي للاختلافات الثقافية، لكنه يشمل مكونات كالدافعية، والسلوك، بالإضافة إلى المعرفة، لذلك نجد أن الأفراد الذين يتمتعوا بذكاء ثقافي لديهم فاعلية إزاء المواقف الثقافية الجديدة ذات العلاقة بالاختلافات الثقافية، كما يمتلكوا القدرة على التفاعل مع المفاهيم الثقافية الجديدة، وهم أكثر قدرة على التكيف والتفاعل الثقافي والشعور بالمتعة عند التواصل مع أفراد من ثقافات مختلفة ولديهم الرغبة والحماس لزيادة خبراتهم الثقافية.
ومع هذه الثورة التكنولوجية والمعرفية التي يعيشها العالم وبالأخص التطور السريع الذي تشهده العملية التعليمية وضهور مفاهيم متنوعه لتعلم سواء التعلم الإلكتروني أو التعلم عن بعد فإنه من الضروري أن يتم التركيز على تنمية الذكاء الثقافي لدى طلابنا خصوصاً مع التوسع الكبير الذي تشهده العملية التعليمة ودخول عناصر ثقافية متنوعة في عصر التكنولوجيا.
نحن لا نُريد أن يعيش طلابنا في عزلة وانطواء عن الغير بسبب الخوف من الانخراط مع الآخرين وخشية تقبلهم، وإنما نتطلع لأن يكونوا أصحاب هُوية وسفراء لبلادهم في الجانب العلمي والثقافي، وهذا يُحتم عليهم أن يتصفوا بالذكاء الثقافي (معرفيًّا، وفيزيقيًّا، وانفعاليًّا). والذي يُعد أحد جوانب الذكاءات المتعددة التي ظهرتْ في القرن الحادي والعشرين نتيجة للدراسات التي أجراها المختصون في علم النفس الاجتماعي وعلم الإدارة؛ فهو يعتبر ضرورة أكاديمية فرضها موضوع التلاقي بين الحضارات؛ حيث يتعرض الطلاب المبتعثون للدراسة خارج بلدهم ?لعديد من المشكلات الاجتماعية والضغوطات النفسية الناجمة عن اختلاف الثقافات، بما تتضمنه من عادات وتقاليد وقيم؛ مما يُؤثر على تحقيق الانسجام في بيئة الطالب داخل الجامعة، وهذا يُحتم على الطالب أن يكون قادرًا على تكييف نفسه للانسجام مع الآخرين في ظلِّ هذه الاختلافات؛ ليهيِّئ لنفسه مناخًا مناسبًا للتعليم والتفكير والابتكار؛ إضافة للتمكن من ضبط انفعالاته حتى يستطيع التعايش بسلام وسط الثقافات المختلفة.