د. حسام باسم حداد
مع التَّسارع التِّكْنولوجيِّ والثَّوْرة الهائلة لِلْمعْلومات، بات تَآكُل الخصوصيَّة الشَّخْصيَّة أَمْر يُؤرِّق الأفْراد والْمؤسَّسات على حدٍّ سَوَاء، إِنَّ فَرضِية تَهدِيد الخصوصيَّة فِي العالم اَلرقْمِي قد لَا يُدْرِكه المسْتخْدم لِلتِّكْنولوجْيَا بِشَكل فِعْلِي إِلَّا بَعْد حِين. وَهنَا يقع على كَاهِل الأفْراد وَاجِب أخْلاقيٌّ لِحماية خُصوصيَّتهم والْقيام بِالْمسْتحيل فِيمَا يَتَعلَّق بِأَمن معْلوماتهم وبياناتهم، مِمَّا يُقلِّص المسْؤوليَّة على الجهَات اَلأُخرى. وَمِمَّا لَا شكَّ فِيه، فَإِن هُنَاك حُدُود عَمَليَّة لِمَدى فَعالِية الأفْراد فِي حِماية خُصوصيَّتهم، فالْكثير مِن الأشْخاص يفْتقرون إِلى المعْرفة بِالتِّقْنيَّات ومُمَارسات المؤسَّسات حَوْل جَمْع البيانات اَلتِي أَصبَحت شَائِعة الآن. ولَا يَستطِيع بَعْض الأشْخاص تَجنُّب الضُّغوط الثَّقافيَّة والاقْتصاديَّة لِلانْخراط فِي تطْبيقات المعاملات القسْريَّة وَالتِي تُؤدِّي إِلى الكشْف عن المعْلومات، حَيْث أنَّ قُدرَة الأفْراد تَبقَّى مَحدُودة على التَّفاوض بِشَأن اَلبُنود والشُّروط المتعلِّقة بِالْخصوصيَّة.
وَعلَى الرَّغْم مِن قِيَام المشرِّعين بِصياغة سِياسَات لِلْمساعدة فِي ضَمَان حِماية الخصوصيَّة الشَّخْصيَّة، إِلَّا أنَّ اَلعدِيد مِن هَذِه السِّياسات تَسمَح لِلْمُنظَّمات بِجَمع البيانات واسْتخْدامهَا والْكَشْف عَنهَا فِي حال أَنهَا تُوفِّر الشَّفافيَّة حَوْل هَذِه المُمَارسات. لِذَلك هُنَالِك حَاجَة لِقوانين خُصوصِيَّة أَكثَر فَاعلِية تَعتَمِد بِدرجة أقلَّ على تَمكِين المُسْتهْلكين وحمايتهم بِشَكل أَكبَر. وَلكَي تَكُون سِياسة الخصوصيَّة فَعَّالة، يَجِب أن يَتم حماية المسْتخْدمين العاديِّين وغيْر المحْترفين والْمتخصِّصين والضُّعفاء. لِذَا يَجِب أن تَكُون القوانين مَرنَة بِمَا يَكفِي لِتتماشى مع التَّعْقيدات النَّاشئة، وَالتِي لَا يُمْكِن التَّنَبُّؤ بِهَا فِي عَصْر المعْلومات.
تَعتَمِد المؤسَّسات على البيانات اَلتِي تَحصُل عليْهَا مِن العُملاء فِي تَجسِيد الرُّؤى وصَقْل الاسْتراتيجيَّات وَتعزِيز تجْربتهَا معهم، مِن خِلَال اَلوُصول الكامل لِلْبيانات، ومَا يَتَرتَّب عليْهَا مِن اِلتِزام أَدبِي بِحمايتهَا. حَيْث يُعزِّز مَفهُوم الخصوصيَّة حسب التَّصْميم وُجهَة النَّظر القائلة بِأنَّ مُسْتقْبَل الخصوصيَّة لَا يُمْكِن ضمانه فقط مِن خِلَال الامْتثال لِلْأطر التَّنْظيميَّة، بل يَجِب أن يُصْبِح ضَمَان الخصوصيَّة هُو الوضْع المثاليُّ لِلتَّشْغيل الافْتراضيِّ لِلْمؤسَّسات. وَعلَى الرَّغْم مِن أنَّ مَفهُوم ضَمَان الخصوصيَّة لَيْس جديدًا وقد تمَّ تطْويره فِي التِّسْعينيَّات مِن القرْن الماضي، لِمعالجة التَّأْثيرات المتزايدة والنِّظاميَّة لِتقْنيَّات المعْلومات والاتِّصالات وَأنظِمة البيانات الشَّبكيَّة وَاسِعة النِّطَاق، فَمِن اَلمؤْسِف أَنَّه لَم يُصْبِح شُمولِيًّا وَسائِداً، فحماية البيانات تَكُون أوَّلاً مِن خِلَال تَصمِيم التِّكْنولوجْيَا. إِنَّ فِكْرَة حِماية البيانات تَكُون فِي إِجْراءات مُعالجتهَا عَبْر الالْتزام بِهَا عِنْدمَا تَكُون مُدمَجَة بِالْفِعْل فِي التِّكْنولوجْيَا عِنْد إِنْشائهَا، مِن خِلَال دَمْج الخصوصيَّة بِشَكل اِسْتباقيٍّ فِي تَصمِيم وَتشغِيل أَنظِمة التِّكْنولوجْيَا والْبُنْية التَّحْتيَّة ومُمَارسات الأعْمال، وتنْتَشر كعدْوى مَا بَيْن المُؤسَّسات.
وهناك اَلعدِيد مِن الفوائد يُمْكِن لِلْمؤسَّسات أن تَميَّز نفْسهَا بِهَا، عن طريق اِتِّخاذ تَدابِير إِيجابيَّة مَدرُوسة لِحماية الخصوصيَّة. فَإِن اَلقُدرة الواضحة على تَأمِين وحماية البيانات الرَّقْميَّة، سَوَاء بِالنِّسْبة لِلْمؤسَّسات أو لِعُملائهَا، يَتِم مِن خِلَال الاعْتراف بِهَا بِشَكل مُتَزايِد على أَنهَا ضَرُورَة عمل تُؤدِّي إِلى مِيزَة تنافسيَّة. بِرأْيي، أنَّ عَدوَى الخصوصيَّة هُو نَهْج يَجِب أن يَتِم اِتِّباعه بِشَكل عَالَمِي فِي إِطَار تشْريعيٍّ لِيطال تَصمِيم مُمَارسات المعْلومات العادلة والْمقْبولة، بِمَا يَتَلاءَم مع مَعايِير الخصوصيَّة ويضْمن فِعْليًّا الامْتثال التَّنْظيميَّ، فالْأفْراد والْمؤسَّسات والْمشرِّعين، عَليهِم أن يُدْركوا أنَّ تَضافُر اَلجُهود هُو اَلسبِيل لِحماية الخصوصيَّة.
[email protected]