حتى قبل أن ينتهي نتنياهو من تشكيل حكومته تنبأتْ صحيفة نيويورك تايمز بأن الحكومة الإسرائيلية اليمينية المُزمع تشكيلها سوف تطيح بصورة إسرائيل «الديموقراطية» و«العلمانية»، كما كتب الكاتب الأمريكي اليهودي المشهور توماس فريدمان «أن إسرائيل لم تعد كما نعرفها»، أما بعد تشكيل الحكومة اليمينية الإسرائيلية (ضمت أربعة من المتهمين أو المدانين بتهم فسادهم: نتنياهو، وبن غفير، وسموتريش، ودرعي) فقد تفجرت المظاهرات في تل أبيب رافضة لتوجهات هذه الحكومة المتطرفة، كما أدى اقتحام «بن غفير» للمسجد الأقصى إلى عقد جلسة لمجلس الأمن الدولي والإعلان عن ضرورة عدم المس بالوضع القائم بالأماكن المقدسة، وفي ضوء هذه المعطيات لا بد من طرح السؤال الآتي: هل لهذه الحكومة الإسرائيلية اليمينية مستقبل؟. إنّ هناك شكاً كبيراً في استمرار هذه الحكومة بكل ما تمثله من تطرف بالنظر إلى عدة أسباب هي:
أولاً: رفض قطاعات كبيرة من الشعب الإسرائيلي لسياسات هذه الحكومة التي وصفها رئيس الوزراء السابق وزعيم المعارضة الحالية يائير لابيد بأنها «حكومة مجانين»، وبالذات السياسات التي تنوي من خلالها شّل دور المحكمة العُليا الإسرائيلية (لإنقاذ نتينياهو من تهم الفساد)، وتغيير طابع الدولة «العلماني» و «الديموقراطي».
ثانياً: استفزاز الشعب الفلسطيني بجملة من الاجراءات التي لا يملك إلا الرد عليها، وقد بدأت هذه الاجراءات بالأمس والتي تمثلت بمصادرة عوائد الضرائب الفلسطينية، ومنع الفلسطينيين من البناء في مناطق (ج) (تشكل 60% من أراضي الضفة الغربية) وسحب بطاقات تسهيلات التنقل من عدد من المسؤولين الفلسطينيين. إنّ كل هذه الاجراءات التعسفية بالإضافة إلى استفزاز «بن غفير» سوف تزيد من حنق الفلسطينيين وسوف تجعلهم يجمعون على أن الكفاح بكل أشكاله هو الطريق الوحيد للتحرر وبخاصة أن عدد شهدائهم للعام الفائت زاد عن مئة وخمسين (150) شهيداً حسب إحصاءات الأمم المتحدة، وإذ كانت القاعدة العلمية تقول بأن » لكل فعل رد فعل» فإن الرد على سياسات الحكومة الإسرائيلية اليمينية الحالية هي انتفاضة جديدة قد تقود إلى حرب جديدة في المنطقة.
ثالثا: تحفّظ الولايات المتحدة على سياسات الحكومة الإسرائيلية الحالية. صحيح أن هذا لن يؤدي إلى المس بالعلاقة الإستراتيجية القائمة بين أمريكا وإسرائيل، ولكن يظل من الأهمية بمكان أن نلاحظ أن الولايات المتحدة تستطيع أن تلجم إسرائيل عندما تعتقد أن ذلك من مصلحتها، وحيث أن الولايات المتحدة تريد لهذه المنطقة أن تظل هادئة في الظروف الحالية التي تنشغل فيها بالحرب الروسية والأوكرانية، فإنها قد تحفظت على تشكيل هذه الحكومة الإسرائيلية منذ البداية، كما أنها لم تأخذ بموقف إسرائيل ولم تدافع عنها في جلسة مجلس الأمن الدولي التي عُقدت لمناقشة موضوع المسجد الأقصى وزيارة «بن غفير» له، بل انسجم موقفها (أيّ الولايات المتحدة) مع موقف بقية الدول في مجلس الأمن الدولي وخلاصته «الإبقاء على الوضع القائم».
رابعاً: الفشل المتوقع لمقاربة نتنياهو في حل المشكلة الفلسطينية والقائمة على أن مزيداً من التطبيع مع بعض الدول العربية سوف يؤدي بالضرورة إلى إنهاء المشكلة الفلسطينية حُكماً، وبمعنى آخر فإن نتنياهو يعتقد أنه من الممكن تجاهل حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وإنشاء دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني من خلال تجميد الدعم العربي للفلسطينيين وتركهم وحدهم بحيث يشعرون بالخذلان والضعف، الأمر الذي يقود إلى استسلامهم وقبولهم بحكم ذاتي لا أكثر ولا أقل. والواقع أنّ نتنياهو واهم كل الوهم بهذا الشأن فالشعب الفلسطيني الذي ناضل من أجل قضيته لمدة تزيد عن مئة سنة، والذي ما زال نصفه يعيش على أرض فلسطين التاريخية (ما يوازي عدد الإسرائيليين بل يزيد عليه قليلاً) لن يستسلم بهذه السهولة، وبالإضافة إلى ذلك فإن عدداً غير قليل من الدول العربية المهمة بل معظمها في الواقع ما زال ملتزماً بأولوية القضية الفلسطينية ومركزيتها.
إن السيناريو الممكن في ظل المعطيات السابقة هي أن يتفكك تحالف نتنياهو من الداخل وبخاصة أن نتنياهو (ثعلب السياسة الإسرائيلية الذي حكم أكثر من أيّ رئيس وزراء آخر) سياسي خبير عَمِل في الولايات المتحدة ويعرف طبيعة العلاقة معها وإمكانات المناورة مع إداراتها، ولذا فعلى الأرجح أنه إما أن يوجه السياسة الإسرائيلية كما يريد (وكما كان عليه الحال إبان فترات رئاسته السابقة)، وإمّا أن يتخلص من حلفائه المتطرفين وبالذات «بن غفير» و «سموتريش» وقد يكون ذلك بعد أن يكون قد رتبّ معهم التخلص من التهم التي تلاحقه في المحاكم الإسرائيلية عن طريق إقرار نص يعطي أولوية للبرلمان الإسرائيلي «الكنيست» على المحكمة العليا الإسرائيلية في موضوع اتهام وتبرئة المسؤولين الإسرائيليين.
إنّ غداً لناظره قريب!