لقد انتقل إلى رحمته تعالى قبل أيام دولة الدكتور عبد السلام المجالي، وإذا كانت هناك سمة نسبية لكل شخصية فذّة فإنّ السمة النسبية لدولة الدكتور عبد السلام المجالي كشخصية فذّة هي أنه شخص «مُنجز» لا يؤمن بالتنظير بقدر ما يؤمن بالعمل والإنجاز، ولعل ذلك ليس بغريب على شخص شقّ طريقه بصعوبة ولكن بتصميم ومثابرة من قرية «الياروت» الفقيرة إلى لندن عاصمة الإمبراطورية البريطانية مروراً بمدرسة السلط الثانوية حيث كان من الطلبة المبرزّين في دراسته، وبدمشق الجامعة التي كان يفخر أساتذتها أحياناً بأنه «لم ينجح أحد» من طلبتهم.
والواقع أن إنجازات الدكتور المجالي في الفضاء العام لم تبدأ إلا بعد أن التحق في سلك القوات المسلحة كأول طبيب أردني حيث أسس فعلياُ مع منتصف خدمته العسكرية (تقاعد برتبة لواء) الخدمات الطبية الملكية (1959) التي ما زالت كمؤسسة طبية هي الأفضل في الأردن، ومن الأفضل على مستوى المنطقة العربية.
وبعد خدمة ليست طويلة كوزير صحة انتقل الدكتور المجالي إلى الميدان الثاني الأثير إلى نفسه وهو التربية والتعليم حيث رأس الجامعة الأردنية لمدة أربعة عشر عاماً (على فترتين) حافلة بالإنجاز الأكاديمي: على صعيد إنشاء كليات جديدة، واستقطاب أساتذة مميزين، وتبنى نظام الساعات المعتمدة الذي نقل من خلاله الجامعة (في عام 1971) من نظام سنوي تقليدي جامد إلى نظام عصري مرن وقابل لاستيعاب استعدادات الطلبة وإمكاناتهم، وإبداعات الاكاديميين وقدراتهم، ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا بأنّ رئاسة الدكتور المجالي للجامعة الأردنية –ورغم أنه الثالث في ترتيب رؤسائها– كانت علامة فارقة في عمرها الذي تجاوز الآن ستين (60) سنة! ولا شك أنّ من الإنصاف أن نسجل للدكتور المجالي إنجازه أيضاً في المجال السياسي فقد رأس حكومتين قاوم خلال تشكيلهما توزير النواب لأيمانه بأهمية فصل السطات، كما رفض المساومة معهم على منحه الثقة، وأصر على نيلها بجدارة كما هو الحال في النظم الديموقراطية المُمأسسة، وقد أبرم خلال حكومته الأولى معاهدة السلام مع إسرائيل في عام (1994) والمعروفة «باتفاقية وادي عربة» والتي اختلف كثيرون معه بشأنها كما اختلفوا معه في موضوع إقرار حكومته لقانون الصوت الواحد، ولكن وبغض النظر عن منطقية وواقعية حججه وحجج مخالفيه فإنّ الإنصاف يقتضي أن نقول بأنه كان من عينة السياسيين الذين يمتلكون الشجاعة الأدبية للتعبير عما يعتقدون بدون مواربة أو وجل، وأنه كان من القادة القادرين على اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية عندما يرتأون أن المصلحة العامة تقتضي ذلك، ولعّل الملفت في المسيرة المميزة لدولة المرحوم الدكتور المجالي أنه لم يستسلم لعامل «السن»، ولم يتقاعد، بل واظب على خدمة مجتمعه بمنهجية تنّم عن «برجماتيته»، وإيمانه بالعمل لا بالقول، فقد رأس مؤسسة إعمار الكرك وبنى لها «المركز الثقافي الملكي» في الكرك والذي لا يقل مستوى عن «المركز الثقافي الملكي» في عمان، ورأس جمعية الشؤون الدولية وبنى لها مُجّمعاً باذخاً يزدان بالقاعات الفخمة والمكاتب الأنيقة، ورأس أكاديمية العلوم الإسلامية، وأنجز لها مبنى لا يقل تكاملاً وروعة.
وانطلاقاً من إيمانه بقيمة العمل، وأن الحياة تُقاس «بالإنجاز»، وليس «بعدد السنوات» فقد ظل الدكتور المجالي مواظباً على رئاسته لعدد من مجالس الأمناء، والجمعيات، والمنتديات. رافداً إياها بحكمته، وخلاصة تجربته، ورغبته التي لا تنضب في العطاء.
رحم الله دولة أبي سامر فقد كان مدرسةً ليس فقط في إنجازاته التي أشرت إلى عددٍ يسير منها، ولكن في بساطته، وإنسانيته، وتواضعه.