بعد مُخاض عسير، وبعد طلب مدة إضافية (عشرة أيام) على المدة القانونية (28 يوماً) الممنوحة له كمرشح لتشكيل الحكومة في إسرائيل تمكّن بنيامين نتنياهو من تشكيل حكومته التي تمّ عرضها على الكنيست الاسرائيلي الخميس الماضي، ومن الواضح تماماً أنه لم يتمكن من تشكيل هذه الحكومة إلا بعد عقد عدة اتفاقيات مع الأحزاب اليمينية المتطرفة في إسرائيل كحزب «القوة اليهودية» (برئاسة بن غفير)، والصهيونية الدينية برئاسة (سموترش)، وحزب شاس (برئاسة آريه درعي)، وغني عن القول إن كل زعماء هذه الأحزاب تم اتهامهم سابقاً وأحياناً إدانتهم إم? بالفساد مثل (درعي) أو بالانتماء إلى منظمات متطرفة وممارسة العنف مثل «بن غفير» «وسموترش»، وواقع الأمر أن وجود هؤلاء في الحكومة الإسرائيلية يمثل حقيقةً انزياح الرأي العام الإسرائيلي نحو اليمين المتطرف، والذي تمثّل أيضاً بخسارة حزب اليسار الإسرائيلي «ميرتس» الذي أُنشئ منذ عام 1992 لقاعدته الانتخابية إذ لم يتمكن من تجاوز ما يسمى «بالعتبة» في الانتخابات الإسرائيلية أي نسبة (3.25%) من أصوات الهيئة الناخبة للدخول في البرلمان الإسرائيلي (أيّ الكنيست).
إن تشكيل مثل هذه الحكومة اليمينية المتطرفة في إسرائيل ليس خبراً سعيداً للأردن الذي لم يكن يرتاح لنتنياهو حتى عندما كان يحكم بغير تعاون وثيق في هذه الأحزاب، ولكن... ماذا يستطيع الأردن أن يفعل إزاء هذا التطور المستجد في المشهد السياسي الإسرائيلي؟ هل بيده بعض الأوراق التي يستطيع أن يلعبها؟ بالطبع هناك بعض الخيارات التي قد يكون بعضها فعّالاً أو غير فعال ولكنها إذا اُستخدمت معاً وبذكاء وبحنكة فإنها تحمي الموقف الأردني وتجعله غير قابل للتجاوز من قبل الجانب الإسرائيلي، ولعلّ أهم هذه الخيارات هي:
أولاً: تصليب الموقف الأردني الداخلي وجعله جبهةً واحدة متماسكة وذلك من خلال تعظيم فرص المشاركة للمواطن الأردني وجعله أساسياً في صناعة القرار، ومن خلال اجتراح إصلاح اقتصادي جذري ينطوي على محاربة ظواهر البطالة، والفقر، والتضخم، والفساد، ومن خلال إصلاح إداري يعيد الألق إلى الإدارة الأردنية التي عُرفت تاريخياً بالكفاءة والفعالية. وذلك فضلاً عن تقوية القوات المسلحة الأردنية وتزويدها بكل ما يلزم لردع العدو.
ثانياً: تدعيم الشعب الفلسطيني للتمسك بأرضه وحقوقه وبكافة أشكال الدعم الممكنة، وذلك انطلاقاً من أنّ دعم الشعب الفلسطيني يعني تلقائياً تفشيل الحكومة الإسرائيلية القادمة التي لا تعترف بالحقوق الفلسطينية المشروعة التي يجب أن تتجسد فعلياً في قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على التراب الوطني الفلسطيني.
إن هذا الطرح قد يتطلب من الأردن تقوية الموقف الفلسطيني من خلال الحث على توحيد المواقف إزاء القضايا الوطنية الكبرى، وقد يكون من أهم الخطوات في هذا الاتجاه الضغط من أجل إجراء انتخابات فلسطينية شاملة تتمخض عن قيادة موحدة تتصف بالمشروعية وتستطيع أن تقود الشعب الفلسطيني وتصل بمشروعية الوطني إلى غاياته المرسومة والمعنونة بالتحرر والاستقلال.
ثالثاً: تفعيل العلاقة مع الأحزاب الوطنية الفلسطينية داخل الخط الأخضر، ودفعها باتجاه التوحد وممارسة دورها المهم في التأثير على مجريات السياسة الإسرائيلية، وقد كان من المؤسف أن هذه الأحزاب خسرت الكثير في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة بسبب انقساماتها، ولكن الوقت لم يفت تماماً على تمتين العلاقة معها وتعزيز دورها في الحفاظ على الحقوق الفلسطينية ومحاولة لجم اليمين المتطرف داخل الحكومة الإسرائيلية، والمجتمع الإسرائيلي.
رابعاً: استثمار العلاقة التحالفية الخاصة التي تربط الأردن بالولايات المتحدة الأميركية الداعم الأكبر لإسرائيل. إنّ هذه العلاقة التحالفية يجب أن تُستخدم للوقوف في وجه السياسات الإسرائيلية المتطرفة التي قد لا تتوقف عند تجاوز الحقوق الفلسطينية بل قد تكون في المحصلة على حساب المصالح الأردنية العليا المتعلقة باللاجئين، والمياه، والحدود. إن الأردن قد لا يستطيع وقف التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، ولكنه يستطيع بالتأكيد أن يؤثر على الموقف الأمريكي بحيث يجعل هذا الأخير يعرقل أية سياسة إسرائيلية تضر?بالأردن وتنعكس سلباً على أمنه، واستقراره، وازدهاره.
خامساً: إبراز المعاهدة الأردنية الإسرائيلية (وادي عربة لعام 1994) كأساس للشرعية الدولية التي تحكم العلاقة بين الأردن وإسرائيل فهي موقعة من الولايات المتحدة بالإضافة إلى طرفي المعاهدة، ومُودعة في الأمم المتحدة، ويُفترض أن تكون سداً منيعاً دون تجاوز أية حكومة إسرائيلية متطرفة على حقوق الأردن ومصالحه العليا.
وأخيراً فإن مما لا شك فيه أنّ الحكومة الإسرائيلية القادمة تُشكل في سياستها وتوجهاتها خطراً على الأردن، الأمر الذي يستوجب التحسب له وتبني السياسات الازمة لمواجهته والحؤول دون حصوله.