احمد ذيبان
ربما تكون العديد من الاكتشافات العلمية، التي رفعت من مستوى حياة البشر، مرتبطة بمغامرات قام بها أفراد يمتلكون شجاعة استثنائية، لديهم الاستعداد للتضحية بأنفسهم، ويمكن وضع قفزة المغامر النمساوي «فيليكس باومجارتنر» عام 2012 في هذا السياق.
وما قاله فيليكس وهو يستعد للقفز من الكبسولة المثبتة في المنطاد، الذي رفعه إلى ارتفاع 39 ألف متر «39 كيلومتر»، ينطوي على بعد فلسفي ينظر الى ما وراء هذا الكون وما يثيره من تساؤلات وألغاز: ''عندما نقف هناك عند قمة العالم، نشعر بتواضع كبير.. وكل ما نتمناه هو العودة أحياء.. أحياناً علينا أن نصعد عالياً جداً لندرك كم أننا صغار''.
تلك القفزة حظيت بكم هائل من التعليقات والتندر من قبل الشباب العربي على وسائل التواصل الاجتماعي، ومن أطرف ما كتب «لو كان فيليكس أردنيا لكتب على المنطاد الذي أقله الى سقف الغلاف الجوي: «كيف ترى قيادتي"؟ لكن فيليكس في الواقع كان مشغول بالقفزة التاريخية.
ملايين البشر تابعوا على الهواء مباشرة، قفزة فيليكس باتجاه الأرض في فراغ هائل، ولا شك أن من يقدم على هكذا فعل يمتلك إرادة خارقة تقترب من الجنون، والارتفاع الذي قفز منه «39 كيلومتر» يساوي ثلاثة أضعاف ارتفاع الطائرات المدنية التي نستقلها بالسفر، الذي لا يزيد عن 40 ألف قدم! وأي مسافر على متن الطائرة، مهما كانت شجاعته لا بد أن يفكر للحظة ما في احتمال وقوع حادث، بل أن كثيرين لا يحتملون النظر من نافذة الطائرة الى الارض، فالخوف والقلق صفة انسانية! فكيف يكون الحال عندما يقفز فيليكس بجسده بدون محركات أو أنظمة تحكم تقنية، لمدة «4 دقائق و20 ثانية» مستسلما فقط لقانون الجاذبية الارضية قبل أن يفتح مظلته ويحط على الأرض بسلام!.
أتيحت لي فرصة حضور افتتاح مدينة فيراري السياحية في ابوظبي عام 2009، وقد ركبت أحد نماذج هذه السيارة الشهيرة لمدة تقل عن خمس دقائق، وهي تسير داخل مسار محدد، وكانت تسير بسرعة 250 كيلومتر في الساعة، وشعرت أن كل دقيقة منها بالنسبة لي تعادل عاما كاملا، وكنت كمن يقفز في المجهول، وكأن زلزالا هائلا يجتاحني، فأين ذلك من قفزة فيليكس؟!
تمارين فيليكس على قفزته استغرقت خمس سنوات، وكان الخطر الأكبر المحدق به هو أن يفقد السيطرة ويبدأ بالدوران حول نفسه، ما يؤدي إلى فقدانه الوعي. ولا شك أن الإعداد لهذا الإنجاز استند، إلى أحدث ما توصل اليه العلم في مضمار الفضاء، لعل هذه القفزة تساهم في الأبحاث الطبية في مجال الطيران، وأن يستفيد منها رواد الفضاء، وأيضاً كل من يرغب بالسياحة في الفضاء مستقبلاً.
ويبقى التساؤل الذي يتكرر عند تحقيق أي إنجاز علمي، أو ولادة منتج تكنولوجي في العالم المتقدم نتسابق على اقتنائه واستخدامه: أين نحن العرب من ذلك؟ وأي مرتبة يحتلها البحث العلمي في سلم أولوياتنا؟ فنحن ننافس على أكبر حبة فلافل، وأكبر صحن حمص، وأكبر صحن تبولة.. الخ!
[email protected]