إن النظر إلى ما وراء الاقتصادات العالمية وخصوصاً في ظل ظروف عدم التأكد والأزمات العالمية يسلط الضوء على أهمية الايرادات الضريبية.
في أعقاب جائحة كورونا واجهت الحكومات تحدياً في تقديم ما هو عاجل على ما هو مهم كالانفاق من الموارد على الصحة والاعانات.
ويطالعنا المشهد اليوم بالحرب الروسية الأوكرانية التي عملت على اضطراب سلاسل التوريد العالمية ولا سيما فيما يتعلق بالغذاء وارتفاع أسعار الطاقة والأسمدة ولوجستيات الشحن والآثار السلبية الضخمة على الاقتصاد العالمي.
إن النظم الضريبية لها أهمية كبرى في بناء الاقتصادات المرنة والنمو الاقتصادي الذي يسير جنباً إلى جنب مع تدفق ثابت في الإيرادات الضريبية. فإن الإدارات الضريبية التي تتسم بالكفاءة والفعالية والموثوقية ما هي إلا لبنة واحدة في البنية السليمة للمجتمع. حيث يبقى لجذب الاستثمار الدولي تأثير إيجابي على طبيعة النظم الضريبية مثل جذب الشركات المتعددة الجنسيات كاستثمار يساهم في التعزيز المباشر للناتج المحلي الإجمالي على المدى الطويل. وعلى الرغم من ذلك فإن المشكلة لا تكمن في التحصيل الضريبي فحسب، فالشكوك العالمية حيال هذ? الموضوع تدور حول الفساد من وجهة نظر دافعي الضرائب. حيث تنخفض الثقة في النظم الضريبية عندما يرى دافعو الضرائب مستويات أعلى من الفساد وتحويل الأموال العامة بغير مكانها. ما يعني أن الآثار السلبية للفساد تنعكس بشكل مباشر على الثقة والمعنويات الضريبية والتنمية المستدامة، وهذا ما يعد أحد أهم الأسباب التي تجعل مكافحة الفساد أولوية مركزية لمهنة المحاسبة العالمية.
في الواقع هناك مكاسب يمكن تحقيقها من خلال تطوير طرق تحصيل أكثر كفاءة وفاعلية، ومن أبسط الخيارات وانجعها هو رفع الروح المعنوية الضريبية، أي ميل دافعي الضرائب إلى الانخراط طوعاً في النظام الضريبي. فالثقة هي عنصر أساسي في المعنويات الضريبية، وفهم دافعي الضرائب للأنظمة الحالية يساعد في تحسين تصوراتهم ويكون أمراً أساسياً لبناء الثقة المعززة. تعتبر الثقة بأنها العنصر الأساسي في تحفيز الروح المعنوية تجاه الالتزام الضريبي وإدراك دافعي الضرائب بالمسؤولية الملقاة على عاتقهم تجاه المجتمع وتنميته ورفاهه.
سيكون التحدي الذي ستواجهه الحكومات على مدى الثلاثين عاماً القادمة هو تمويل الرعاية الصحية والاجتماعية وتطوير البنية التحتية واحتياجات كبار السن مع تحديات الموارد والبيئة. ويفرض هذا ضغوطاً إضافية على الحكومات لإيجاد طرق مسؤولة لإنفاق المزيد مع وجود أزمة ثقة غير مسبوقة. إنَّ انعدام الثقة يهدد المورد الرئيسي أي العائدات الضريبية التي تُمَكِّنُ أي حكومة في جميع أنحاء العالم من مواجهة التحديات.
برأيي، ستكون العلاقة بين دافعي الضرائب والحكومات وبين الشركات والمجتمع والأنظمة الضريبية أساسية لنجاح الاقتصادات. وهناك ارتباط وثيق ما بين الثقافة الضريبية أو محو الأمية الضريبية مع ارتفاع المعنويات الضريبية. إن ميل الأفراد والشركات إلى دفع ضرائبهم يساعد على النمو الاقتصادي والاستقرار السياسي حيث تشير الدراسات إلى أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين نسب الضريبة إلى الناتج المحلي الإجمالي والنمو الاقتصادي المستدام.
[email protected]
