قبل ساعات من افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة، الملك عبدالله الثاني، جال بين سروات البيت الهاشمي العامر، تذكر تلك الجولات المكوكية، داخلياً وخارجياً التي ربما تكون قد أرهقت كاهل جلالته، لكنه الوقت العصيب، الذي يجعله، يخوض الجولة الملكية بمزيد من المحبة والفكر المتقد، والحوار الذكي مع الأردنيين والعالم.
.. اليوم يفتتح الملك عبدالله الثاني، أعمال الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة، بإلقاء خطاب العرش السامي.
.. يتوقف الخطاب عند حوار الملك مع الأجهزة الوطنية والأمنية والإعلام الوطني، فاتحًا المرحلة وتقييمها وفق رؤية جلالته السامية الناظمة دستورياً وفق الدستور الأردني العريق.
يعلي الملك من قيمة المدلولات التي رشحت من الحوار الملكي مع أهالي المحافظات والمخيمات وقادة ونخب المجتمع الأردني ورفاق السلاح من رجالات الأردن المتقاعدين، مثلما عزز جلالته من قوة وعزم وإصرار الحكومة ورئيسها الدكتور بشر الخصاونة، وإعادة التأكيد على توافق السلطات الدستورية الثلاث.
الأسابيع الماضية كان الملك ينظر في حال الناس، يستمع، يشارك الجنود، الناس في المخيمات، أفراد القوات المسلحة على الحدود الشمالية والجنوبية، وأيضاً في حراك سياسي داخلي خارجي شمل جمهورية مصر العربية، معززاً جلالته استقرار ونجاح الدولة المصرية في تنظيم مؤتمر تغير المناخ.، وبعد مصر، الملك يزوز الفاتيكان، وبعدها المملكة المتحدة.
خطاب العرش الملكي السامي، اليوم، يتوقف عند رؤية الملك الهاشمي، وهذا يعزز دلالة إلقاء خطاب العرش، في الافتتاح الدستوري لدورة أعمال الدورة العادية الثانية لمجلس النواب الـ 19.
.. خطاب العرش، اقتران ورؤية سياسية ملكية، تكون فاتحة لمسارات أعمال الدولة والسلطات الثلاث وقدرتها على التواصل والتشاركية محليا وعربيا ودوليا؛ ذلك أن الملك عبدالله الثاني، كشف في قمة المناخ،عن قوة صوت السلام الأخضر،برغم معاناة المملكة من أزمة حادة من نقص المياه ومصادر الطاقة والأمن الغذائي وتمويل مشاريع تغير المناخ.
قدم الملك عبدالله الثاني،مبادرة «مترابطة المناخ - اللاجئين».، واطلق الملك عبدالله الثاني في كلمته أمام مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP-27)، المنعقد في شرم الشيخ بجمهورية مصر العربية، مبادرة «مترابطة المناخ - اللاجئين»، وأكد الملك أن هدف المبادرة: إعطاء أولوية الدعم للدول المستضيفة التي تتحمل عبء التغير المناخي.
.. وفي قمة المناخ، أعاد الملك، باسم المملكة والدولة الأردنية، ما تقره الأمم المتحدة بأن اللاجئين حول العالم والدول المستضيفة الأكثر عرضة لآثار التغير المناخي؛ لهذا دعا جلالته دول العالم إلى المصادقة على مبادرة الأردن: «مترابطة المناخ–اللاجئين» ومعالجة الأزمة، العلاقة الجيوسياسية والبيئية والمناخية، التي تقدم المملكة مبادرته للحوار والتنفيذ.
.. القدس والوصاية الهاشمية على أوقاف القدس المحتلة المسيحية والإسلامية، والحرم القدسي الشريف ورعاية المسجد الأقصى، كانت محور أساس في زيارة ملكية شملت حاضرة الفاتيكان والمملكة المتحدة.
في الفاتيكان التقى الملك مع قداسة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، وأمين سر الكرسي الرسولي الكاردينال بيترو بارولين.
وفي العاصمة البريطانية لندن، عقد جلالته لقاء مع جلالة الملك تشارلز الثالث ملك بريطانيا، تعد القمة الأولى لملك بريطانيا مع أي زعيم عربي إسلامي، ومن دول المنطقة والإقليم، وايضا كان الملك يعيد الجولة الاوروبية المهمة بلقاء رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك.
.. المحطات الملكية في المملكة المتحدة والفاتيكان، مهدت الأفكار الناظمة لمسارات عمل وبرامج الأردن خلال سنوات الأزمة العالمية العصبية سياسيا واقتصاديًا وهنا نضع ملامح تفكير الملك في جولاته بين مؤتمر شرم الشيخ ولندن:
* أولاً:
ضرورة إدامة حوار الأديان وتعزيز العيش المشترك وحماية الوجود المسيحي في المنطقة.
* ثانياً:
تثمين جهود الأردن بقيادة الملك في الحفاظ على الوجود المسيحي بالمنطقة، وهذا تثمين مقدس من حاضرة الفاتيكان.
* ثالثاً:
الوعي بأهمية الدور الأردني في حماية المقدسات بالقدس، من منطلق الوصاية الهاشمية عليها، وبما يحافظ على هوية المدينة كرمز للسلام.
* رابعاً:
أهمية مواصلة العمل لتحقيق السلام لتعيش الشعوب بأمن واستقرار.
*خامساً:
ترابط الأمن والسلام في المنطقة وضرورة كسر الجمود في عملية السلام بالشرق الأوسط، باعتبارها متطلبا أساسيا للأمن والاستقرار وتعزيز العيش المشترك.
* سادساً:
القدس تعد مفتاح تحقيق السلام في المنطقة، وأن أية محاولات للعبث بالوضع القانوني والتاريخي القائم في المدينة المقدسة ستقوض حق المؤمنين في أداء شعائرهم في الأراضي المقدسة.
* سابعاً:
حرص المملكة على الحفاظ على الأماكن الدينية المسيحية ورعايتها، وخاصة موقع عمّاد السيد المسيح، عليه السلام، (المغطس)، الواقع على الضفة الشرقية لنهر الأردن.
إن موقع المغطس محاط بعناية كبيرة، وسيشهد في المرحلة المقبلة عملية تطوير وتحسين للمرافق والخدمات المقدمة للزوار القادمين إليه بقصد الحج المسيحي، إذ تأتي هذه الجهود ضمن دور الأردن في احترام حق المؤمنين في أداء شعائرهم الدينية.
*ثامناً:
في قصر باكنغهام، اعتزاز أردني بريطاني، بعلاقات الصداقة التاريخية المتميزة التي تربط المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة المتحدة، بما في ذلك تعزيز التعاون الثنائي في شتى المجالات، بما يخدم مصالح البلدين المشتركة.
*تاسعاً:
ضرورة مواصلة التنسيق الوثيق بين الأردن والمملكة المتحدة، حيال القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما يحقق مصالحهما ويخدم قضايا المنطقة ويعزز الأمن والسلم العالميين.
* عاشراً:
أهمية العمل على التخفيف من آثار الأزمة في أوكرانيا، خاصة في مجالي الغذاء والطاقة، والتي تحتاج إلى جهد جماعي ومزيد من التكاتف بين الدول.
* حادي عشر:
العمل بشكل فاعل لتحقيق السلام العادل والشامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين على أساس حل الدولتين، الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، وضرورة الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني بالمدينة المقدسة، ومنع الإجراءات الإسرائيلية أحادية الجانب، التي من شأنها تأزيم الأوضاع في الأراضي الفلسطينية.
لن تكون المرحلة القادمة، استراحة ملكية، فالعين الساهرة، عين الملك الأب، تنظر من خلال الحراك السياسي والاجتماعي، والعلاقة الدستورية الوطنية مع مجلس الأمة (النواب والاعيان)، هي جوهر الخطاب الملكي، الذي تبرز ملامحة الأولى، الحرص الملكي لجلالة الملك عبدالله الثاني ومشاركة ومتابعة ذكية من سمو ولي العهد الأمير الحسين، وهذا ما يضع المملكة النموذج، محفزا على ديمومة العمل بين الملك وسمو ولي العهد والسلطات الدستورية، والدولة الأردنية ورئيس الحكومة، سعياً، ليكون الأردن، في مواجهة أساسية، مدروسة، آمنة لكل الأزمات المت?قعة نتيجة الأحداث الدولية، وردود الفعل عليها.
صوت الملك اليوم، هو صوتنا، يحرس الأمل ويستشرف المستقبل، ويدعم قدرات الدولة على التحول الاقتصادي والتحديث في المنظومة السياسية والعلاقات الأردنية العربية مع العالم، يهبنا الملك بلسما من أرض الأجداد.. لننطلق معاً.
[email protected]