لا يستطيع أيّ منصف إلّا أن يعترف بأنّ الجامعات الأردنية قامت وتقوم بدور مهم في خدمة المجتمع الأردني وذلك على صعيد تخريج الكوادر المؤهلة، وإجراء الأبحاث العلمية، وخدمة المجتمع وهي الأهداف الرئيسية المطلوب تحقيقها من كل جامعة في العالم، ولكن المنصف لا يستطيع أن يُنكر أيضاً أنّ الجامعات الأردنية بدأت تشهد حالة تراجع منذ عشرين سنة تقريباً وهو الأمر الذي يكاد يتفق عليه الأكاديميون المعنيون بأمور التعليم العالي في الأردن، والذي رصدته الدراسات والأبحاث المختلفة، وترتيب الجامعات الأردنية في التصنيفات العالمية ذات المصداقية، وما أوضحه التقرير الصادر عن المجلس الاقتصادي الاجتماعي تحت عنوان «حاله البلاد» لعام 2021.
إنّ كل ما سبق يفرض على الجامعات الأردنية ومجلس التعليم العالي المسؤول عن السياسات والتوجهات العامة الخاصة بالتعليم العالي التفكير ملياً في مداخل واستراتيجيات وأفكار ذات جدة وإضافة تثري مسيرة الجامعات وترفع من سويتها.
ولعلّ من أفضل الاستراتيجيات التي يمكن التفكير فيها في هذا السياق هي تحقيق ميزة تنافسية (Competitive advantage) لكل جامعة أردنية أو لبعض الجامعات الأردنية على الأقل، ولكي تكون الفكرة واضحة تماماً فإن الميزة التنافسية بشكل عام هي «تفرد المؤسسة في مجال الخدمة التي تقدمها»، وإذا طبقنا هذا المفهوم المبسّط على الجامعة فإن الميزة التنافسية تعني قدرة الجامعة على تقديم خدمة تعليمية وبحثية عالية الجودة، الأمر الذي ينعكس على خريجيها بحيث يتمتعون بميزات متفردة في سوق العمل تقود إلى ثقة مجتمعية بالجامعة تؤدي إلى زيادة الإقبال على الالتحاق بها، وواضح من التعريف السابق أن مؤشرات التنافسية (competitive indicators) تتركز على جودة التعليم من جهة، وتقدم مستوى الأبحاث من جهة أخرى، وخدمة المجتمع من جهة ثالثة، أمّا أبعادها فتتمثل في تخفيض كلفة الخدمة (Cost reduction)، ونوعية أو جودة الخدمة (Quality)، والمرونة (Flexibility)، والتوقيت المحدد لإيصال الخدمة (Timeliness) والإبداع في مجال الخدمة: تقديماً وتطبيقاً (Innovation) وإذا أردنا تطبيق هذه الاستراتيجية (الميزة التنافسية) على الجامعات الأردنية بحيث لا تكون نسخاً بعضها عن البعض الآخر فماذا يمكن ان نفعل عملياً؟ يمكن للجامعة الأردنية أن تسعى مثلاً إلى التفرد في «المجال الطبي» لكون الجامعة في العاصمة ويمكنها استقطاب أفضل الخبرات وأفضل الطلبة، ولكون كلية الطب فيها هي الأعرق بين كليات الطب الست الموجودة الآن في الجامعات الأردنية.
ويمكن لجامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية مثلاً أن تركز على «المجال الهندسي» وبالذات النووي مستغلة وجود مفاعل نووي بحثي فيها، وتخصص دراسي في هذا المجال، ولكون ثلث طلبتها تقريباً هم طلبة دوليون (International Students) إن كليات الهندسة قائمة في كل الجامعات الأردنية تقريباً ولكن لماذا لا تحقق جامعة العلوم والتكنولوجيا مثلاً «الميزة التنافسية» فتتفرد في المجال الهندسي وتكرسه لخدمة المجتمع الاردني الذي يعاني من مشكلات الطاقة ما يُعاني، وما زال يتناقش حول فائدة مشروع الطاقة النووية واكتشاف اليورانيوم وتسويقه وغير ذلك من اشكاليات الطاقة.
وإذا ذهبنا إلى جنوب المملكة فلماذا لا تنفرد جامعة الطفيلة التقنية، أو جامعة الحسين بن طلال بالتركيز على «المجال المعدني «(البوتاس والفوسفات في الجنوب)، أو «بمجال المياه» حيث العقبة، وحيث الاتجاه الآن إلى مشروع «الناقل الوطني» الذي يُؤّمل أن يقوم بتحلية المياه وتوفير اللازم منها حتى عام 2040، ولعلّ ما قلناه بالنسبة للجامعات الآنفة الذكر يصدق بشكل أو بآخر على معظم الجامعات الأردنية الأخرى حيث تتميز كل جامعة بمجال تركز عليه وتبرع فيه.
إنّ الأمثلة السابقة تقتضي بالطبع قناعة لدى مجلس التعليم العالي وربما هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وبالطبع الجامعات المعنية، ومن المؤكد أن السير في هذا الطريق تترتب عليه تغييرات في الخطط والمناهج، وتأهيل لبعض الكوادر، وربما بعض المخصصات المالية الإضافية، وتعديلات معينة على التشريعات، ولكن المؤكد أن النتائج في حال التنفيذ الحصيف ستكون ذات مردود ليس على الجامعات فقط بل على المجتمع الأردني بشكل عام.