ما أوردته في سياق المقالة السابقة والتي تحدثت فيها حول دور جلالة الملكة رانيا العبدالله بأنها كانت مساهمة فاعلة وركيزة أساسية من ركائز تحقيق المرأة الاردنية لمكتسباتها خلال مسيرة الإصلاح السياسي الشامل والذي كان منطلقه النظري والفلسفي يكمن في إطلاق جلالة الملك أوراقه النقاشية وعملت جلالتها من خلال اقترابها من فكر جلالته على ترجمة مضامين الأوراق النقاشية السبع والتي ترتكز على تفعيل عنصري الشباب والمرأة ذلك هو التبرير الوحيد للقفزات الاستثنائية التي واكبت تحول الواقع المجتمعي نحو ثقافة احتواء المكتسبات المباشرة وغير المباشرة للمرأة الاردنية وكما أسلفنا انها لم تفتقر إلى المرجعية التي كانت دائما تقف ضد اي شكل من اشكال الاحباط او التراجع ولو لخطوة واحدة فعظمت المكتسبات النسوية ودفعت باتجاه التحول المعرفي والأكاديمي كأساس لا يمكن تجاوزه في سياق عملية التحديث فالمعرفة المعاصرة والحديثة في القطاع التربوي والأكاديمي كان يعتبر حجر الرحى في فكر جلالتها من خلال تراتبية مدروسة بدقة وقراءة تشخيصية حقيقية لواقع التعليم كأساس ومدخل للمعرفة الكلية والمعاصرة وبذلك انغمست جلالتها دون اي تحفظ نحو التحديث الأكاديمي والتربوي والتركيز على مخرجات الأكاديميات المعاصرة من أجل تعميمها على كل ابناء الوطن وذلك من خلال مبادراتها الاكاديمية ومثال على ذلك أكاديمية الملكة رانيا لتدريب المعلمين ولذلك كان شعارها نتعلّم لنعلّم وهذا الشعار يعني اخراج الاكاديمية من النخبوية الى تعميم نتائج ومخرجات هذه الاكاديمية على عموم الوطن.
هنا نستعرض بشكل مباشر المهمات الوطنية التي اضطلعت بها جلالة الملكة خارج اطار المرأة والشباب وقد تنبهت الى اهمية ترجمة مشروع الاصلاح السياسي من خلال ضخ المعرفة العلمية والاكاديمية والاجتماعية كركائز للوعي الاجتماعي لتتماهى وتطور الاصلاح الشامل ومخرجاته وهو تركيز غاية في الاهمية لان المعرفة هي ركيزة تطور الشعوب وهي الحاضنة الحقيقية القادرة على التكييف والتكيف في سياق عملية التحول.
إذن هذا الجانب كان لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار كمساهمة ليست منطلقة من طبيعة شخصية الملكة التربوية أصلاً، رغم أهميته إلا أنها كانت وما زالت تحرص على النهوض بالقطاع التربوي والتعليمي لأنه العامل الحاسم في احتواء التطور المعرفي المعاصر وهذه مساهمة هدفها الكل الأردني وهي إحدى المهام الوطنية بأمتياز هذا من جانب، ومن جانب آخر استطاعت جلالة الملكة وبحكم حكمتها وقدرتها على استيعاب واحتواء الكل الوطني واستيعاب واحتواء النخبة الدولية المؤثرة من خلال ما تتركه من انعكاس استثنائي في سياق العلاقات الرسمية وغير الرسمية ومع النخب المؤثرة في القرارات الدولية وذلك من خلال قناعة مطلقة عند اللقاء بها لأول مرة بأن تلك الملكة قادرة على الوصول من خلال تواصلها الدمث إلى قلوب كل محدثيها.
كان الانطباع في كل لقاءاتها أنها أم لأسرة وملكة في سياقها المعرفي وعطوفة على المستوى الوطني، فلا بد من أن يستفيد إي إنسان خلال اللقاء معها، ولذلك أفرزت لها وكالة الانباء الصينية «شينخوا»، مساحة واسعة للحوار وتلك المساهمة قد جعلت من جلالتها محوراً حقيقيًا في القرارات الاجتماعية والسياسية والروحية والدينية والتي جعلتها مركزاً للاستقطاب والمبادءة من قبل وسائل الإعلام العالمية، وهو ما انعكس على توسيع دائرة علاقاتها الدولية الرسمية والمدنية وأعطتها سمة الملكة الأم والسند الواقعي لأسرتها ولزوجها جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين، والذي ترك تأثيراً حقيقياً على بنائها المعرفي، إضافة إلى إنسانيتها الطاغية على كل مفردات خطابها وتوجهاتها.
تعتبر جلالتها من الشخصيات الدولية المؤثرة في الأبعاد الإنسانية للسلوك المجتمعي والاقتصادي، والأهم من كل ذلك «السياسي» من خلال الحكمة والاحترام الدوليين لشخصية جلالتها لم تبعدها قيد أنملة عن الهم الوطني الخاص بأردننا الحبيب، لا بل وظفت كل ذلك في أثناء الكارثة الصحية التي عصفت في العالم من خلال جائحة كورونا وعندما كانت كل دول العالم تبحث بكل الاساليب المشروعة وغير المشروعة لخلق استراتيجية الأمن الصحي وتأمين المستلزمات الأساسية والضرورية للمخزون الاستراتيجي الطبي والصحي للمملكة الاردنية الهاشمية من خلال علاقاتها الدولية وخاصة مع رئيس مجموعة علي بابا الصينية، والذي أبلغ جلالتها بأن «المجموعة» تتكفل بتأمين المخزون الاستراتيجي الصحي والدوائي للمملكة، والسبب في ذلك هو مكانة الأردن في وعي رئيس هذه المجموعة والذي جسدته المنطلقات الإنسانية أولاً لجلالتها، وخاصة بعد حضورها مؤتمر حول العطاء الإنساني في الصين، وهو ما لفت نظر القيادة الصينية وخاصة رئيس مجموعة علي بابا، الذي يعتبر أن أنسنة السلوك الدولي هو ركيزة التنمية والرفاهية الانسانية جمعاء، فكانت جلالتها تمثل النموذج الذي يصبو إليه كل من يعتبر أن أنسنة السلوك السياسي والاقتصادي والاجتماعي هو الرافعة الحقيقية للمعالجات الشمولية التي تطيح بالأرض وخاصة الأوبئة العابرة للحدود والقارات وللطوائف والأديان والطبقات، وهو ما يشكل خاصة في ظل الكارثة الطبيعية الجديدة والقائمة على التغير المناخي نتيجة الاحتباس الحراري وهو هم يشبه بكل جوانبه جائحة كورونا فهو هم إنساني لا يمكن ان يضع اي دولة او جماعة خارج اطار تأثيره المباشر.
إذن المعرفة والانغماس في الهم العام والاسناد الاستراتيجي للمرأة ومحاربة التفرقة على اساس النوع وأنسنة السلوك الدولي والنخبوي والانغماس الكلي في الأسناد الأسري ببعديه الضيق والشامل، وأعني هنا الأسرة الاردنية هي سمات مميزة لسلوك جلالتها وأدائها دون جلبة، ولذلك أسأل الله أن ينصفها وأن يطيل عمرها لأنها محرك جبار لا صوت له، ولكنه يعتبر القوى المحركة الحقيقية التي تعكس صورة الأردن كنموذج لا يمكن أن يتكرر لأن قيادته الهاشمية متفردة لا تحتمل أي تراجع أو تقاعص في خدمة الوطن أولاً، ومحوره المواطن ورديفه الإنساني الكامن في سلوك واداء جلالتها لأنها المكمل الحقيقي للكل الأردني، والكل هو وحدة وتوازن الاجزاء المكونة.
