من الطبيعي بل ومن الضروري ان تكون المراجعة بهدف تحسين أداء الجهاز الإداري بعد دراسة النماذج الناجحة للآخرين عمليةً مستمرة في أي بلد، ويبدو انها عندنا هذه المرة سوف تشمل الغاء وزارات سبق ان جرى كثير من التهليل عند انشائها قبل سنوات عديدة وسط استغراب الكثيرين ان لم نقل اعتراضهم ثم استمرت تعمل طويلًا وتفشل جهارًا نهارًا دون ان يجرؤ احد على مسّها ولو بإعادة النظر في وظيفتها او طريقة عملها، وسوف تشمل كذلك دمج مؤسسات كان قد جرى الترحيب بها حين استحدثت بسلخها عن وزاراتها الدستورية وسمي ذلك يومها استقلالًا يمكّنها?من التخلص من البيروقراطية،كما يبدو ان قانونًا يمكن أن يصدر منقلبًا على مبدأ قديم معروف،لكنه غير مكتوب، كان يتيح بل يشجع التوسع في «التوظيف» الحكومي كوسيلة اضطرارية لمحاربة البطالة عندنا كما عند دول رعوية او رعائية مشابهة لنا في النشأة او الظروف الاقتصادية، ويبدو ايضاً ان بين اهداف العملية غير المعلنة إفساح المجال للقطاع الخاص كي يحل تدريجياً محل القطاع العام مع ان ذلك ثبت فشله في تجارب دول اخرى على صعيديْ النوعية التي تدنت والانفاق الذي ارتفع كثيرا دون مردود انتاجي ايجابي، وهي تشبه تجاربنا عندما تسرب القطا? الخاص وسيطر بنسب متفاوتة على بعض المؤسسات المستقلة ماليًا وإداريًا سواء كانت هيئة أو دائرة او سلطة او مركزاً او صندوقاً او مجلساً او حتى شركة حكومية!
ويقال ان وزارات الدولة لشؤون رئاسة الوزراء سيتم إلغاؤها فكثير منها كانت تستخدم للترضية، ولا بأس هنا من التذكير بأخرى استحدثت لنفس الغرض كوزارة التنمية الادارية التي فاجأتنا قبل ربع قرن وسط احتجاجات واسعة باعتبارها فيلاً أبيض جديدًا وتعديًا صارخًا على اختصاصات ديوان الخدمة المدنية، وقد تعاقب عليها عديد من الوزراء وكل منهم يجهد نفسه في اصطناع اهميتها والخير العميم الذي، على يديه، سوف تسبغه على هذا الوطن! ثم وجدناها بعد فشل طويل الامد تغيب غير مأسوف عليها!
ولا أدري إذا كانت سوف تلغى ايضاً وزارة الشؤون السياسية وهي التي أنشئت قبل سنوات غير بعيدة مدججة بعشرات الواجبات والنشاطات المهمة التي لم تكن مقنعة ومع ذلك ظلت تحظى بهالة اعلامية كبيرة!
ما يقلقني فعلاً هو ان ارى وزارة عتيدة كوزارة الصحة قد طالها تمزيق كثير بعد ان نجت تاريخياً من أخطر محاولة هددت كيانها قبل ثلاثين عاما حين انتصر لها البرلمان الحادي عشر، وهي ما زالت تتعرض لشقها وتفتيتها بانشاء مؤسسات وهيئات مثل الاعتمادية الدولية والمركز الوطني للأوبئة ومؤسسة الغذاء والدواء، كما تحوم حولها شركات بأسماء بريئة لا تشي بعملها الحقيقي الذي ينهش هذه الوزارة وصلاحياتها من خلف الستار.