تلقي الهجرة النبوية بظلالها على الدنيا؛ كانت نقلة لتوجيه التاريخ نحو متابعة مسيرة الدعوة بعيدا عن الظلم والاعتداء والملاحقة، والبحث عن مساحة تتسع للتحرك والتخطيط والتنظيم وإعادة البناء.
نظرة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة حين ودعها مخاطبا إياها: "والله إني لأخرج منك، وإني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلى الله وأكرمها على الله تعالى، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت منك".
خطاب ليس للوداع، ولكنه يقين بالعودة ثانية، بفتح ونصر عظيم؛ المسيرة تحتاج لصبر وثقة واعتماد وتوكل، وتعتمد على البناء وإرساء قواعد طيبة في مكان مناسب بعيدا عن الأذى.
يسأل الصحابة وبإصرار للالتحاق بالركب، يمضي البعض بموافقة وإقرار، ويبقى الصديق، ليشهد قصة الهجرة والوعد الحق لما سيكون وليقضى الله أمرا كان مفعولا، ويدخل الجميع في الفتح بنصر دون قتال وحقد، بل بعفو الكريم ابن الكرام، ويطلقهم لوجه الله.
استغرقت قصة الهجرة برهة من الوقت كانت كافية للتجهيز والامتحان والتخطيط ومن ثم الإخاء والبناء لدولة قوية تستمد قوتها برباط متين من كتاب الله وسنة المصطفى وأركان الانطلاق من جديد لفتح عظيم.
ليست رحلة هروب، ولكنها حكاية ثبات على الأمر الحق والثقة بنصر الله، والتغلب على العقبات كافة بالإيمان والتي تمثلت في قطع مسافة في الصحراء والمضي قدما في درب الهدى من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة.
1444 أعوام هجرية ينبغي قراءتها من جديد ومن الأجيال جميعها، للقياس والخروج بمعنى العزيمة والصبر لحين اكتمال الوعد الرباني والنصر المبين؛ تجلى ذلك في خطبة الوداع والمحجة البيضاء التي لا يزيغ هنا إلا هالك.
دعوة للأجيال الفتية للتدبر والتعمق برحلة الهجرة والتي كان مبتغاه الله، والثبات على الأمر والسير في تتبع العبر المستوحاة من سيرة محمد صلى عليه وسلم والدعوة للحق والدفاع عن الإسلام بحق وروية وتوضيح وممارسة وسلوك وأخلاق سامية.
التحديات الراهنة ضد الإسلام كثيرة وشاملة وخطيرة؛ تقع في خضم ما يحاك في الظلام من أجل تشويه صورة الإسلام حول العالم والتأثير سلبيا على الهوية الإسلامية الجامعة والتطاول على القيم السمحة، ولهذا ومع امتلاك الأجيال الفتية لناصية التكنولوجيا، لا بد لهم من محاولة لإنصاف الهجرة النبوية على سبيل المثال والاحتفال بقدوم عام هجري وتثبيت إنجاز طيب خلال العام، بإصرار البحث العلمي عن جوانب الهجرة وبتلك المسافة التي قطعها الحبيب المصطفى وصاحبه الصديق ومضيا معا تلقاء المدينة وبناء الدولة الإسلامية الراسخة.
هي الهجرة إلى الله، ورسول الهجرة لا كذب هو محمد ابن عبد المطلب؛ عام هجري يحمل في طياته الكثير وتختصر الهجرة فيها إلى: عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما الأعمال بالنيّات، وإنما لكل امريء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه" (رواه البخاري ومسلم في صحيحهما).
هي الهجرة إلى الله، طبتم بها ونعمتم، بوركتم وحفظكم من هاجرتهم إليه ولا أحد سواه، (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَىٰ ) (سورة الأعلى -17)، كل هجرة وأنتم إلى الله أقرب وأنقى وأتقى.