إن التقدم والتفوق التقني الذي يشهده العالم يفوق التصور البشري من الابتكارات والثورة المعلوماتية عبر توظيفها في التكنولوجيا لحل المشكلات المتعلقة باستدامة المجتمع البشري. وهنا فإن مفهوم التفرد (Singularity) يعني التقارب المتوقع بين البشر والآلات الذي يمثل تراكماً للإنجازات التكنولوجية ذات التأثيرات الفورية من حيث الانتقال إلى مستوى تكنولوجي جديد لا علاقة له بالماضي من حيث النتائج. إن تطور التكنولوجيا يتمثل في التفرد الذي تهيمن عليه البساطة كحل للتعقيد. ومن المنظور الاقتصادي، نشأت علاقة ما بين التفرد التكنول?جي والاقتصاد من خلال التقنيات الذكية التي عملت على إحلال الآلة عوضاً عن رأس المال البشري، بالاضافة إلى تطور تقنيات المعلومات والاتصالات ودخول تقنيات داعمة للنشاط الاقتصادي وخصوصاً بعد ضم المعلومات للعوامل التقليدية كالعمالة والأرض ورأس المال كعامل رئيسي للاقتصاد الرقمي الجديد. حيث تصبح المفارقة التكنولوجية للعالم الحديث هي التعقيد التكنولوجي من خلال البساطة التي تحدثها تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
قام العالم الأميركي Ray Kurzweil المتنبىء بالاتجاهات التكنولوجية المتسارعة في وقت مستقبلي بتقديم (قانون العوائد المتسارعة) والقاضي بأن التطورات التكنولوجية تتغذى على نفسها عبر زيادة معدل التقدم التقني وانخفاض التكاليف، مع تغير نمط حياة الانسان والدفع إلى ما هو أبعد ما يمكن توقعه بشكل منطقي بواسطة الاستقراء الخطي والتقدم المتشابك مع التقنيات الاخرى. إن التفرد سيتجلى في المستقبل في النقطة الزمنية التي سيتجاوز فيها التقدم التكنولوجي المتسارع الإمكانيات البشرية لفهم وتقييم ومراقبة جميع العواقب المحتملة. وبهذا ?لمعنى فإن التفرد التكنولوجي سيكون له تأثير على المجتمع.
إن المجتمع البشري سيصل إلى مستوى التفرد الاقتصادي الذي يدعم التفرد التكنولوجي عبر استبدال العقل البشري في أنشطة مختلفة كالروبوتات ذات العقول الاصطناعية، التي يمكن أن تتضاعف بلا حدود ضمن ما يسمى بالاقتصاد النسخ، وهذا الاستبدال يتجاوز حدود الإنسانية. إن النمو الاقتصادي هو نتيجة للعقول البشرية التي تحركها الإنجازات في مجال الذكاء الاصطناعي، وإن العديد من النشاطات سيتم نقلها إلى أجهزة الكمبيوتر مما يسمح بتسريع العمليات وتحسين الأنشطة الاقتصادية، واستبدال رأس المال البشري المستخدم للبحث والتطوير بالتقنيات الذكي? المتعلقة بكفاءة الاقتصاد. ربط بعض الاقتصاديين التقدم التكنولوجي بالأزمة الاقتصادية التي اندلعت في عام 2008 معتبرين أن التكنولوجيا تمثل قوة غير مرئية ساهمت بشكل كبير في الركود العام. ومن جهة أخرى فإن التفرد الاقتصادي هو بناء هيكل المجتمع الجديد داخل الغلاف القديم مستنداً على معايير كالمكان والوقت والطاقة والكتلة والمعلومات التي تؤدي إلى ظهور الاقتصاد الجديد من أجل تكامل الذكاء البيولوجي والاستفادة من الاستخدام الواسع لتقنيات المعلومات والاتصالات وتطورها.
برأيي، إن التفرد التكنولوجي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بتوسع ووجود التقنيات في حياة الإنسان مما أدى إلى وجود مجتمع موجه نحو التكنولوجيا. فالتفرد هو النتيجة الطبيعية لتبسيط التعقيد الذي يتمحور حول استبدال الإنسان بالتقنيات الذكية من خلال الاستبدال النظري لرأس المال البشري من نماذج النمو الاقتصادي مع تكنولوجيا المعلومات عبر التقنيات الذكية كجزء من عامل الإنتاج الخاص بالاقتصاد الرقمي. ومن جهة أخرى، فإن استيعاب مفهوم التفرد الاقتصادي في كل المجالات الاقتصادية لا سيما المالية منها وما يتمخض عنها من مزج الذكاء البشري?واللابشري مما يستدعي وجود ضوابط قانونية للمطورين.
