الحديث عن جرائم المستعمرين الأوروبيين بحق البلاد التي احتلوها ونهبوا ثرواتها الطبيعية وارتكبوا فوق ذلك كل ما يخطر بالبال من البشاعات ضد مواطنيها حتى أنهم شغّلوهم في المناجم مكبلين بالأغلال واستخدموهم كفئران تجارب في دراساتهم الاجتماعية والجنسية وسواها.. وهاهم يأتون اليوم ليعتذروا عن آثامهم، أما التعويض المادي فلا يخجل بعضهم من التشكيك في التزام الضحايا بألا يطالبوا غداً بما هو أكثر!
كل بضع سنوات يتحرك الضمير السياسي لدى بعض قادة الدول التي غرق تاريخها في دنس الاستعمار على مدى القرون الماضية منذ الثورة الصناعية وتراكم الثروة والنفوذ والسلاح فيها فيتظاهرون بالندم والرغبة في الاعتذار وآخر دعوة متوارية نطق بها الملك فيليب في بلجيكا معرباً عن ندم بلاده لما اقترفه أسلافه بحق أحد الشعوب الأفريقية البائسة يوم غزت الكونغو جيوشُ ليوپولد الثاني في القرن التاسع عشر طمعا في ثرواتها الدفينة، وقد سمعنا قبل ايام في محطة الـ(BBC) إحدى حفيداته وهي الأميرة إزميرالدا تتحدث بصوت متهدج عن شعورها بالأسى وال?سف لما سببته بلجيكا من مآسٍ للشعب الكونغولي وضرورة الاعتذار عنها.. مع ان تبعات تلك الجرائم ومضاعفاتها ما زالت مستمرة بأشكال جديدة وبالاتفاق مع حلفاء جدد في أوروبا ضمن المجموعات الشركاتية الكبرى عابرة الحدود التي تنضوي في النهاية تحت سيطرة تلك التي تعمل في الولايات المتحدة كواجهة للبنوك العالمية الكبرى أو خلف أبوابها..!
من التاريخ غير البعيد الذي ما زلنا نذكره وتقشعر ابداننا لهول ماجرى عام ١٩٦٠ لبطل استقلال الكونغو باتريسلومومبا الذي انتخبه الشعب رئيسا للوزراء حسب قوانين ديمقراطية شارك البلجيكيون انفسهم في وضعها، لكن بعد شهور قليلة دبرت شركاتهم التي تنهب ثروات الكونغو انقلاباً عسكريًا أطاح به ورأى العالم كله يومئذ ذاك المشهد المروع حين قُبض عليه وضرب وسقطت نظّارته عن عينيه وأُلقي به زريّ المظهر ممزق الثياب في شاحنة نقلته لمكان مجهول حيث قيل انه اغتيل رمياً بالرصاص، وقد نُصّب مكانه العميل تشومبي لفترة قصيرة ثم جيء بالشاويش?الكونغولي في جيش المستعمر المدعو موبوتو ليصبح رئيساً للبلاد فحوّل الحكم الى دكتاتورية عائلية فاسدة وعميلة للشركات البلجيكية الى ان مات خارج بلاده ذميماً كريهاً قبل سنوات وهو يعالج من السرطان.
وبعد.. أليس اعتذار الدول الاستعمارية عن جرائمها مجرد مسرحية خادعة ونحن نراها بأم أعيننا مستمرةً في نهب ثروات الشعوب خاصةً من المعادن الثمينة الداخلة في صناعة الكومبيوتر سواءً في أفريقيا أو اسيا أو أميركا اللاتينية.. ولو بأساليب جديدة؟!