يمكننا باختصار تقسيم علاقة العرب مع إسرائيل دون الدخول في التفاصيل, إلى ثلاث مراحل أساسية, المرحلة الأولى: ما قبل وبعد حرب النكبة عام 1948وقرار التقسيم (181), مروراً بهزيمة حرب حزيران عام 1967, كانت إسرائيل في هذه المرحلة تعتبر العدو والمهدد الأول لكافة العرب دون استثناء. وكان هناك رفض بالإجماع للاعتراف بوجود هذا الكيان, واعتباره كياناً مغتصباً لأرض عربية (فلسيطن).
أما المرحلة الثانية فهي تمتد من حرب أوكتوبر 1973, وما تبعها من حالة (اللاحرب واللاسلم) التي مهدت لاحقاً عام 1977 للدخول إلى المرحلة الثالثة (اتفاقيات السلام) القائمة على (الأرض مقابل السلام), باستثناء فلسطين.
وفي هذه المرحلة لم تعد إسرائيل تهدد الأمن القومي العربي, بعدما أصبحت الخلافات شعارنا الأول, وكما يقال: فالمصائب لا تأتي فرادى, فلم يكن العرب يتوقعون في أسوأ الأحوال أن النظام الثوري الإيراني القائم على ولاية الفقيه, المشحون بأحقاد وأطماع طائفية وتاريخية, سوف يسخر كل موارده وإمكانياته للتمدد في المنطقة العربية, لتدخل إيران بعدها في أطول حرب في القرن العشرين مع العراق منذ عام 1980 ولغاية 1988, أضفت عليها طابعاً دينياً, وأسمتها (بالحرب المقدسة).
وبعد سقوط العراق عام 2003 استطاعت إيران أن تسيطر على أربع عواصم عربية من بغداد الى دمشق وبيروت, وصولاً لصنعاء في اليمن, بعد أن قامت بإنشاء ميليشيات طائفية في تلك البلدان, بشعارات مذهبية, وأسهمت في إيجاد (تنظيم داعش), ليكون عذرا لها ولمليشياتها في ممارسة شتى أنواع الجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية, ناهيك عن عمليات الاغتيال والتصفية, باعتبار ما تقوم به (حرباً مقدسة) ضد (المكون السني), انتقاماً لمقتل الحسين, وإحياء لحلم (الدولة الصفوية).
وفي هذا السياق أذكر كيف أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بعد تصريح جلالة الملك عبد الله الثاني لصحيفة الواشنطن بوست عام 2004, عن مشروع (الهلال الشيعي), الممتد من إيران لسواحل البحر الأبيض المتوسط في لبنان, وهو ما تحقق فعليا باعتراف وتصريح للعديد من السياسيين والعسكريين الإيرانيين, بما فيهم (قاسم سليماني) الذي صرح أن الهدف الأكبر الوصول الى مكة المكرمة.
لقد عملت إيران على استغلال الإحباط العربي الشعبي, لتلعب على الوتر الحساس بتأجيج المشاعر الدينية والقومية, بأن بوصلتها تتجه نحو تحرير فلسطين, وأن شعاراتها الرنانة بأن أميركا (الشيطان الأكبر) والموت لإسرائيل, بسبب رغبتها في تحرير فلسطين, والقضاء على إسرائيل.
في حين أن بوصلتها الحقيقية تتجه لتحقيق حلمها بالدولة الفارسية الإسلامية العظمى, وأن صراعها مع إسرائيل, صراع تنافس وهيمنة على مصالح شخصية, فهي تعلم مسبقاً أنها بأفعالها هذه تدفع بعض الدول للتحالف مع إسرائيل, على قاعدة (عدو عدوي صديقي)، فهي من تحشد ميلشياتها على الحدود الأردنية الشمالية, وتهدد الأمن القومي الأردني، وتمارس تجارة تهريب المخدرات.
وفي النهاية نؤكد لمن (يستغشم) أن إيران تختلف مع إسرائيل, ليس محبة في فلسطين والعرب, وإنما هو صراع مصالح وأطماع, فكلاهما وجهان لعملة واحدة.